بصراحة متناهية، فتح الداعية الدكتور غازي بن عبدالعزيز الشمري، لصحيفة «الحياة» ملف أخذ الدعاة الأجر على بعض أنشطتهم الدعوية، وأعلن في حوار أجرته معه الصحيفة اليوم و بلا تردد رفضه لقسم من ذلك، وهو الذي يتصل بالمساجد، واعتباره الآخر الذي يأتي من جانب قنوات ربحية «حقاً مكتسباً ورزقاً ساقه الله إلى الدعاة من غير طمع». وأكد الشمري الذي قال إنه أمضى نحو ست سنوات في العمل الإعلامي الدعوي، أن الدعاة أجدر بأخذ المال من آخرين، لا يقدمون مفيداً، على رغم أن القنوات تغدق عليهم المال. لكنه عاد وأقر مازحاً أن جهات مثل قطر «خربت الدعاة» لأنها عوّدتهم على فنادق «سبع نجوم»، ومقاعد الدرجات الأولى. أما الثراء المفاجئ الذي استشكله عدد من متابعي المشايخ، فاعتبره الشمري نتيجة عوامل عدة، وأنّ لكل مجتهد نصيباً. وقال إن ما يتناقله الناس من عجائبٍ على هذا الصعيد صحيح ومؤكد، «الحمد لله ربنا فتح علينا، وأصبح كثير من الدعاة قبل سنوات لا يملك إلا آلافاً قليلة، والآن يملك الملايين، نقول الحق. وأعرف أحد المشايخ، الله يزيده، كانت سيارته قبل سبع سنوات «كابرس 79»، والآن «جيب لكزس 2010». هذا فضل من الله». وفي ما يأتي نص الحوار: بما أنك أحد دعاة الفضائيات، ثمة جدل أثير أخيراً حول أخذ هذه الشريحة لأجر على دعوتها إلى الله، حتى قال كاتب يحترمه الإسلاميون كثيراً إن هؤلاء «تجار لا دعاة»، السؤال ما موقفك أنت؟ - طبعاً، الحمد لله قدمت أكثر من 10 آلاف حلقة فضائية، في الخليج والدول العربية، وبعض الدول الأجنبية مثل إيطاليا وسويسرا وبريطانيا. أما أنا ومجموعة من المشايخ الذين أعرفهم جيداً، بالنسبة إلى المحاضرات التي نلقيها في المساجد، فلا أعرف أحداً من المشايخ يأخذ عليها شيئاً مطلقاً، وأنا أقولها بملء فمي، «لا نأخذ، وإنما نكرم بحجز تذكرة أو إقامة»، وهذا حق مكتسب لأي ضيف في جميع البلدان سواء كان داعية أو زائراً رسمياً. والحمد لله نأخذ الإجازات من أعمالنا ونذهب إلى مناشط داخل المملكة وخارجها، ولا نأخذ شيئاً، وسألت تحديداً عن هذا الأمر المشايخ عائض القرني ومحمد العريفي وسعد البريك ومحمد النجيمي وعبد الواحد المغربي، وجميعهم أكدوا لي أنهم لا يأخذون في مقابل ذلك أجراً. هذا بالنسبة إلى المساجد، وماذا عن البرامج؟ - البرامج الفضائية نقسمها نحن باعتبارنا إعلاميين إلى قسمين، إما أن تكون طويلة المدى أو قصيرة، فإذا كانت الاستضافة لحلقة واحدة أو نحوها فلا أحد يشترط أو يأخذ شيئاً، فإن أُعطينا أخذنا وإن لم نعط فلا أحد يشترط أبداً. وقد استضفت أكثر من مرة في قناة «الشارقة» مثلاً فلم آخذ ريالاً واحداً. أما البرامج طويلة المدى، فإن القنوات أيضاً تنقسم إلى قسمين، فإما أن تكون قنوات ربحية تجارية، أو دعوية وقفية. القنوات الربحية التي تكسب من وراء استضافتك بصفتك داعية، عبر الإعلانات ونحوها، فنحن عندما نأخذ منها، نطلب شيئاً معقولاً ونتفق عليه، لكن لا نبالغ في اشتراط المبالغ (...) وأنت تأخذ لأنه معك فريق إعداد، وأيضاً أهلك حين تذهب وتتركهم لا بد أن تكرمهم. فسر لي كيف؟ - المبلغ الذي يأتيني من القنوات، أقسمه إلى ثلاثة أجزاء، جزء يكون لك ولزوجتك ولأهلك، لأنك عندما تغيب عنهم أياماً فإن زوجتك وأولادك يتضررون من جراء ذلك، فلا بد أن تهيئ لهم ما يسعدهم. الجزء الثاني، يذهب إلى إكرام أهل المنطقة التي زرتها، فهم عندما ذهبت إليهم أكرموك، فلا بد أن يزوروك يوماً من الأيام وتكرمهم أنت بالمستوى نفسه. الجزء الثالث يذهب إلى (العمل الإنساني)، فأنت عندما تصبح داعية تسوّد فتأتيك طلبات المساعدة من نواح شتى، يأتيك الشاب الذي يريد أن يتزوج، وتأتيك الأرملة التي تبحث عن النفقة، وهكذا. على تقسيمك هذا لن يبقى للداعية شيء، فكيف تتحسن حاله الاقتصادية؟ - نحن إذا قبضنا بعض الحقوق من مشاركاتنا الإعلامية، فإنها إلى جانب ما ذكرت لك تكفينا، فلا نحتاج بعد ذلك إلى الصرف من رواتبنا الرسمية، فمعظم الدعاة إما أستاذ جامعي أو له وظيفة رسمية يتقاضى عليها أجراً. وبذلك يتمكن من توفير المال الذي يشتري به البيت الجديد والسيارة الحديثة. ولكن اتخاذ الدعوة وسيلة للتكسب ما كان مقصوداً من طرفكم إنما جاء عرضاً كما أفهم من توضيحك، فمن أين نشأت الفكرة إذاً؟ - السبب في ذلك أصحاب القنوات، وأيضاً بعض المكاتب الدعوية، لأنهم صاروا يوفرون للمشايخ خدمات مثل «رحلات على الدرجة الأولى» وفنادق، وبعض المناطق لديها أوقاف تمكنها من ذلك. يعني أفسدوا المشايخ، هذا ما تعني؟ - نعم أفسدونا، أكون معك صريحاً، (ضاحكاً) «والله إنهم خربونا»، أعطيك مثالاً: عندما نستضاف من بعض الدول الغنية مثل قطر نسكن في فندق «سبع نجوم» وليس خمس نجوم، ويوفرون لك «بي إم» آخر موديل، ويستضيفونك في الدرجة الأولى، أنت ومن تحب من أصحابك، وربما يعطونك بعد ذلك 10 آلاف من غير أن تطلب، بخلاف عندما تذهب إلى بعض مناطق المملكة الفقيرة، فعندها ربما تكون أحياناً أنت من ستدفع التذكرة، فهنا بعض المشايخ ربما يزهد في الذهاب إلى بعض المناطق، وإن ذهب فإنه ينفق ما أخذه في قطر مثلاً هناك في المنطقة الفقيرة. هذا خلق نبيل، أين المشكلة فيه؟ - المشكلة أحياناً تأتي من بعض الدعاة الجدد، الذين يهتمون بدعوة الشباب عن طريق الفرح والمرح، وليس لديهم طرح أكاديمي أو تربوي واجتماعي، هم من أساء لبعض المخيمات الدعوية وبعض المساجد، فصاروا يأخذون مبالغ زهيدة مثل 2000 إلى 3000 ريال، لا تستحق الهجمة الشرسة التي يواجهونها. وأنا من جانبي أرى الأخذ من وسائل الإعلام مشروعاً، بخلاف المساجد فأنا أرفض الأخذ على إقامة الدروس فيها أو المحاضرات مطلقاً. أما الدورات التي تقام خارج المساجد مثل بعض المسارح، مثل التي في الغرف التجارية، فهذه لها موازنة. وأنا أعطيك مثالاً على نفسي، إذ جاءتني دعوة لإقامة دورة أسرية في مؤسسة اجتماعية في المنطقة الشرقية فلم آخذ ريالاً واحداً، بينما جاءني طلب لإقامة دورة مماثلة ولكنها بتنظيم من «سابك» فاشترطت عليهم 2000 دولار، فوافقوا. أنا كداعية، أتعامل مع كل جهة بحسب ظروفها. دعنا نحصر الأمر في القنوات الفضائية، ثمة من يقول لماذا يستكثر على الدعاة أن يأخذوا من تلك القنوات ألفي دولار أو أقل، وهي تجود على سهرات المغنين بمئات الآلاف؟ - نعم أنا أؤيد هذا الكلام، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول نعم المال الصالح للرجل الصالح، ونحن لو أخذنا من القنوات مالاً فنحن أحق، ونأخذ حقاً مكتسباً، لأننا سنترك أشغالنا وأسرنا، ونبذل جهوداً في التحضير والإعداد، وأنا مع من يأخذ من القنوات الربحية التي تتاجر بالدعاية والإعلان، أما الوقفية فنحن نصور لهم البرامج على نفقة المحسنين ونعطيهم إياها مجاناً. نحن الآن أمام رأيين، هنالك من يرى أن المشايخ استغلتهم القنوات سلبياً، وطرف آخر يقول إنهم استغلوا القنوات بحثاً عن المال، بما أنك مجرب، ما الحق؟ - هذا حدث، وهذا حدث. فعلاً بعض الناس استغلوا القنوات، فلما وصل إلى مرحلة أخرى صارت القنوات تستغله، وأنا شخص أقرّ بفضل الله ثم الإعلام عليّ، فعمري الإعلامي ست سنوات، ومع ذلك حققت نتائج طيبة والحمد لله، لم يحققها أناس لهم في الدعوة مثل كل عمري، ولكن عندما خدمني الإعلام، خدمت أنا من يستحق منه خدمتي. السؤال الجوهري، هو هل يجوز أن تستغل الدعوة في سبيل نيل الشهرة كما تقول أنت أو كسب المال، أم أنك تريد أن تقول، هذا ليس غايتنا، وإنما تحقق تلقائياً؟ - والله ما كنا نتوقع أن يكون هذا الأمر، وتحقق بالفعل من غير قصد، فلما تحقق كنا كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لأحد الصحابة عن المال «ما جاءك منه من غير استشراف نفس فخذه» أو كما قال. وإلا والله ما كنا نتوقع أن تأتينا الأموال من وراء الإعلام، أو الدعوة. بقي لي سؤال أخير، أطرحه بخجل، إذ يتردد أن من المشايخ من أغناه الله عبر جهده الدعوي خلال فترة وجيزة، هل يمكن أن يقدح هذا الأمر في صدقية المشايخ مستقبلاً؟ - لا أبداً، لكل مجتهد نصيب، وهذا رزق ساقه الله إلينا من غير قصد ولا طمع، والله يقول «وأما بنعمة ربك فحدث»، الحمد لله ربنا فتح علينا، وأصبح كثير من الدعاة قبل سنوات لا يملك إلا آلافاً قليلة، والآن يملك الملايين، نقول الحق. وأعرف أحد المشايخ الله يزيده، كانت سيارته قبل سبع سنوات «كابرس 79»، والآن «جيب لكزس 2010». وهذا فضل من الله.