نقلا عن الاسلام اليوم : انتقد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم"، الصراعات التي يشهدها العالم العربي والإسلامي، وقال بأسًى بالغ: "إن المسلمين هم الأمة الوحيدة التي يقتل بعضُها بعضًا، لا تجد أمة من أمم الأرض لا اليهود ولا النصارى ولا البوذيين ولا الوثنيين يقتل بعضهم بعضًا". جاءت تصريحاتُ فضيلة الشيخ سلمان خلال برنامج "الحياة كلمة" الذي بُث على فضائية "إم بي سي" يوم الجمعة الموافق الأول من محرم لعام 1431 ه، والتي كانت تحت عنوان "كشف حساب"، حيث خصصت الحلقة للحديث حول ما شهده العام الهجري المنقضي 1430ه من أحداث، خاصةً تلك التي وقعت بالعالمين العربي والإسلامي. وذكر فضيلته في حديثه عن أوضاع الأمة الإسلامية بأنه خلال رحلته الأخيرة إلى ماليزيا للحديث حول قضية أوضاع المسلمين قال: إن المسلمين هم الأمة الوحيدة التي يقتل بعضها بعضًا، لا تجد أمة من أمم الأرض لا اليهود ولا النصارى ولا البوذيين ولا الوثنيين يقتل بعضهم بعضًا، الله -سبحانه وتعالى- ذكر لنا في القرآن الكريم أن هذه عقوبة ابتلي بها بنو إسرائيل لما قال: (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إلى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ)(البقرة: من الآية54)، وقال: "هذا ما نفعله اليوم في أن يقتل بعضُنا بعضًا ونرفض حتى هدنة في شهر رمضان لأن يصوم الناس أو أن يقوموا قيام الليل أو يصلوا التراويح.. متسائلًا هؤلاء الذين يرفضون وقف القتال حتى في رمضان هل ينطلقون من منطلق ديني؟ أم أي منطلق؟! ثم تساءل فضيلته على ماذا يتقاتل الناس في الصومال؟ وقال: بلد محطم مهشَّم إلى الآخر فماذا تتصور أي إنسان غير مسلم بسيط بعيد عن أي تعقيد أو عداء للإسلام لما يجد العالم الإسلامي بؤرًا للصراع والقتال من الصومال إلى العراق والاحتراب الداخلي الضخم من السودان إلى باكستان إلى أفغانستان إلى عدد من الدول، فضلًا عن أن تلك الدول التي ربما لا يبدو فيها أن ثمةَ حربًا طاحنة ضروسًا تدور هناك احتراب اجتماعي، هناك انفصال ما بين السلطة والشعب، هناك تشتت، هناك حالات من القهر والإحباط واليأس تسيطر على كثير من النفوس. باكستانوإيران وفي ردِّه حول الأوضاع في باكستان، قال فضيلته: هذا نموذج آخر وأنا هنا أتساءل: باكستان أكبر دولة إسلامية وأيضًا هي دولة قامت على أساس الإسلام وقصة محمد علي جناح والاستقلال تحت لواء الإسلام، باكستان أيضًا دولة نووية وهنا تدرك أن القصة ليست قصة امتلاك السلاح كما يبدو في عقولنا دائمًا وأبدًا وليست قصة امتلاك السلطة كما نتخيل أن الحلَّ في امتلاك السلطة ثم توجيهها الوجهة التي نريد، في ظلّ غياب مشروع واضح يتوافق عليه الجميع كل الأشياء يمكن أن تحدث، وهنا السلاح النووي لن يكون مفيدًا والعديد البشري ربما يكون سببًا في أزمة، وحتى الاختلاف فباكستان هي مجموعة من الأعراق ومجموعة من الأجناس. ثم ضرب المثل بالشعب الماليزي المتعدد الأجناس وقال: ماليزيا عبارة عن أجناس من المالوية من الصينيين والهنود والمسلمين والبوذيين، ومع ذلك استطاعوا أن يعملوا نسيجًا واحدًا وخطة مشتركة يعتمدون عليها، هنا يمكن أن تتحول هذه السلبيات إلى إيجابيات في ظلّ وجود مشروع توافقي ينفعك وينفع الآخرين، من الخطأ أن تظن أن مشروعًا يخدمك سوف يكون على حساب الآخرين وهذا ما تفكر به العقلية العربية في الغالب الآن أن المشروع الذي يخدمني هو ذلك المشروع الذي يهدم مصلحة عدوّي. وفي رأيه حول إيران وما تمضي فيه قُدمًا في توسيع دوائر استعداء الآخرين، قال فضيلته: يمكن أن نقول في إيران ما قلنا في باكستان: إنه لماذا نفترض أن امتلاك السلاح النووي هو الذي يعطي الدولة قوتَها وحضورها سواء الإقليمي أو الدولي؟ بالعكس الحضور يتمثل في القدرة على احتواء الأجناس، والأعراق في إيران وهي تقارب 60% من الشعب الإيراني والتي يمكن أن يستخدمها أي طرف معادٍ ويحركها، كذلك احتواء الخلاف الداخلي والذي من الواضح جدًّا أنه خلاف بين الإصلاحيين وبين المحافظين، الإصلاحيون قد لا يكونون بنفس الكثافة ولكنهم أكثر ثراءً وأكثر نخبوية وهم في الغالب كما يلاحظ من خلال الصور التي تبثُّها وسائل الإعلام يمتلكون قدرات وكفاءات علمية ومالية واجتماعية. وعبَّر الشيخ سلمان العودة عن اعتقاده بأن العالم العربي يهمه وضع إيران وأن تظل إيران بلدًا إسلاميًّا مستقرًّا بعيدًا عن انفجارات داخلية أو استهدافات خارجية، وأضاف: أعتقد أنه في النهاية مطلب استقرارها من استقرار العالم الإسلامي واستقرار العالم الإسلامي من استقرارها أيضًا، ولهذا يجب ألا نرمي بيوت الآخرين بالحجارة وألا تتحول العلاقات السياسية إلى محاولة تحريك أصابع هنا أو هناك وغمس اليد في هذا البلد أو ذاك، قضية مثلًا تحريك أطراف معينة للقتال، بالنهاية سوف يصيبك أنت وكما يقال: "الذي بيته من زجاج عليه ألا يرمي الآخرين بالحجارة" هذا نقوله لإيران ونقوله لكل بلد عربي أو إسلامي لأن بيوتنا على أحسن الأحوال أن نقول إنها من زجاج. إلى متى أفغانستان ثم تطرَّق إلى الحديث عن أوضاع أفغانستان، وأكَّد فضيلته أن أفغانستان لن تظلَّ محمية لأمريكا إلى الأبد، وقال: إن الجرح الأمريكي والغربي والناتو ينزف في أفغانستان، هناك تمدُّد لقوى المعارضة طالبان وحلفاءها، وهناك انكماش لسلطة الحكومة، وبالمقابل هناك جهود عديدة لمحاولة رأب الصدع لأنه لا يلزم أن تظل أفغانستان تنزف إلى الأبد ما بين حكومة ومعارضة ثم معارضة وحكومة..لغة أو جدلية العنف يمكن أن تتوقف. وكشف فضيلته عن الجهود التي يقوم بها العلماء للمصالحة في أفغانستان وقال: أثناء وجودي في ماليزيا كان لنا لقاء مع الشيخ يوسف القرضاوي ومع الشيخ عبد الله بن بيه وكان من ضمن الأحاديث حديث عن جهود للمصالحة ومحاولة جمع كلمة الأفغان تحت راية واحدة، وأذكر لما كنا في طاجكستان شارك في المؤتمر وزير الشئون الإسلامية في أفغانستان وكان شابًّا أفغانيًّا درس في الجامعة الإسلامية في المملكة وأبدى استعدادًا كاملًا للمضيّ في هذا السبيل، وهو طلب من اتحاد علماء المسلمين أن يكون هناك مجهود لمحاولة تقريب الهوّة والفجوة، وقد يبدو للبعض أن الأمر إنقاذ للقوات الغربية المتورطة، وقد يكون ذلك صحيحًا لكن هو أيضًا إنقاذ للشعب الأفغاني نفسه وإنقاذ للإسلام نفسه لأنه يقول: إنه في أفغانستان مائة وخمسين ألف مسجد العامرة منها والتي يتم التعامل معها هي ثلاثة آلاف مسجد فقط! وأوضح فضيلته، أنه في ظلّ وجود وضع متكهرب لن يكون هناك تنمية ولا تعليم ولا عبادة مستقرة ولا يجب أن تظل أفغانستان لأربعمائة سنة تحارب وتقاتل، مشيرًا إلى وجود كتاب اسمه "تتمة البيان في تاريخ الأفغان" يتكلم عن أفغانستان والحرب تلاحظ أنه فعلًا هناك حالة من الاحتراب الداخلي ليست وليدة اليوم. جنوب السعودية وفيما يخص الأحداث التي شهدتها المملكة العربية السعودية وتسللات الحوثيين والحرب في الجنوب، قال الشيخ سلمان العودة: هذا جزء من المعاناة الإسلامية العامة عملية القتال والعقلية العربية والإسلامية والجزئية التي تريد أن تجزئ المجزّأ وتقسم المقسَّم وتلقي بالمزيد من المشكلات في هذا الحوض العربي والإسلامي. وأضاف فضيلته: أنا أؤمن بالاختلاف في الرأي، لكن لا أؤمن أبدًا أن الاختلاف في الرأي يتحول إلى قتال ضد مشروع معين وكأن هذا القتال سوف يضمن لنا حقوقنا، القتال لن يؤدي إلى تحصيل الحقوق بل القتال سوف يؤدي إلى مزيد من سحق حقوقك وحقوق الآخرين أيضًا الأبرياء من النساء من الأطفال من الناس الذين لا يمكن تمييز بعضهم عن بعض، الحرب إذا قامت كما يقال: الحرب أول ما تكون فتية *** تسعى بزينتها لكل جهول حتى إذا اشتعلت وشبَّ ضرامها *** ولَّت عجوزًا غير ذات حليل شمطاء يكره لونها وحديثها *** مكروهة للشم والتقبيل وأوضح فضيلته أن الحرب هنا لن تميِّز بين صغير وكبير ورجل وامرأة وبريء ومعتدٍ ولا تستطيع أن تتعرف على نوايا الناس، ولذلك نحن دائمًا ننادي أنه إلى متى يظل الناس متشبثين بالبندقية والسلاح وكأنها هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى أهدافهم ومطالبهم؟ وأضاف: حتى كونك تفرض مطالب تحت وطأة السلاح أنا في نظري أن هذا غير مقبول، أنت مواطن ضمن دولة بكل ما فيها من سلبيات، يجب أن تتعامل وفق هذا الوضع القائم، وإلا يكون من حق أي طرف أن يقوم بهذا العمل ذاته ونتحول بناء عليه إلى أن يكون البلد الواحد مجموعة من الدول التي ليس فقط أنها دول مستقلة ولكنها دول متحاربة فيما بينها. اليمن والقاعدة وحول احتمال أن يكون اليمن تفريخًا مناسبًا جدًّا للقاعدة ولأجندتها قال فضيلته: إن اليمن مؤهل لذلك لأنه بلد مليء بالسلاح وبلد فيه قدر كبير جدًا من الاسترخاء الأمني، وأيضًا البلد هو مجموعة مناطق هناك الحراك الجنوبي وهناك منطقة الجنوب ومناطق الشمال، وهناك القبائل وهناك الاتجاهات المختلفة والمذاهب المختلفة، فهنا الاعتصام بحبل الله أولًا ثم الاعتصام بالعقل والحكمة ثانيًا ومراعاة جانب المصالح وأنه يمكن أن يتفق الجميع على مصلحة مشتركة لهم وكلهم بدلًا من أن يتحول الأمر إلى صراع وقتال سيجعل هذا المناخ أي المنطقة الجبلية والمنطقة القبلية والمنطقة المسلحة قابلة لأن تتسلل إليها أطراف كثيرة جدًا، ونحتاج بناء عليه إلى ثلاثين سنة أو أربعين سنة حتى نكتشف أن عملية حمل السلاح في هذا البلد لم تجد نفعًا. واختتم فضيلته حديثه قائلًا: وأنا في طريق عودتي إلى المملكة وقع بين يديّ كتاب يتكلم عن تجربة سوريا والطليعة المقاتلة وإلى آخره، والله أقرأ وأنا أشعر بمغص شديد في قلبي أنه هذه المآسي القديمة تتكرر في كل بلد إسلامي وكأننا لا نستفيد من دروسنا فضلًا عن أن نستفيد من دروس الآخرين.