حكمت علاقة التجاور الإيرانيةالباكستانية على العلاقات بين الدولتين بالنعمة أحيانا ، وبالنقمة أحيانا أخرى ، ويقول خبراء العلاقات الدولية إن تلك الأهمية الاستراتيجية لعلاقة من هذا النوع رسمتها مبدئيا خرائط الجغرافيا ، ثم دخلت عوامل أخرى كان لها دور في تشجيع هذه العلاقة التي كانت مثل الحرب الباردة التي كانت ربما وكما يقول محمد عباس ناجى مدير تحرير مختارات إيرانية أنها كانت أزهى سنوات العناق الاستراتيجي المشترك بين الدولتين . وكان قد سبق ذلك سياسية محاور إقليمية عندما تشكلت الخريطة الحديثة لمنطقة الشرق الأوسط كما يقول الدكتور محمد مجاهد نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط ، حينما حدث تحالف بين باكستان و إيران حينما كان هناك محور آخر متحالف هو المصري الهندي في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر . وحينها انضمتا معا إلى حلف بغداد ، حيث توسع هذا التحالف ليصبح فيما بعد محورا مضادا لمحور عبد الناصر و الاتحاد السوفيتي ، الأمر الذي أكسب الطرفين على مدار التاريخ صياغة مشتركة في تفاهم على علاقة شكلت فيها الجغرافيا نوعا من النعمة. و استمر الحال على ما هو عليه حتى بدأت المنطقة تعرف تشكيلا جديدا في سياق تغيير خريطة العالم كله و ليس المنطقة فقط ، فعلى الرغم من أن زمن الحرب الباردة والعدو المشترك للطرفين عزز من التحالف بين الطرفين ، لكن وكما يقول أيمن فايد وهو أن أعضاء تنظيم القاعدة التائبين في مصر ، لعبت الهوية الطائفية دورا لديهم في إذكاء هذا الأمر من جهة لدى إيران ، التي حاولت بكل ما أوتيت من عزم بعد نهاية الحرب الباردة أن تدعم أي قوة ضد السنة ، و في حين أن باكستان كان لديها مصالح استراتيجية في التخلص من التنظيم بمشكلة طالبان أو الأفغان العرب أو مشكلة العالم و هو تنظيم القاعدة لما سببه من مشكلات للدولة الباكستانية كمصلحة استراتيجية لها ، لكن الممارسات الإيرانية الطائفية ظلت تؤرق باكستان ، سواء كان ذلك في أفغانستان أو حتى في باكستان نفسها . و زاد من حدة الخلاف نفسه بدء سيناريو الاحتجاج بين الطرفين بعد أن كان الخلاف مكبوتا بينهما وأضاف ناجي بدأ هناك نوع من تبادل الاتهامات بين الطرفين في ظل وجود مناطق نفوذ ومصالح مشتركة بين الطرفين تتضمن هذه المناطق شكلا من الطائفتين ، فباكستان هي الأخرى ترى أن هناك تدخلا إيرانيا في شئون العديد من الدول و منها البحرين نفسها . و يرى فتحي المرغني أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة عين شمس أن هناك إشكاليات أخرى في العلاقات ليست مكتومة في شكل العلاقات بين الدولتين ، ويضيف « الملف النووي الإيراني كان أحد أبرز هذه الإشكاليات بين الجارتين ، إذ أن باكستان الجارة النووية لإيران ترى أنه لا توجد مبررات واقعية لحصول طهران على نووي « ، في الوقت الذي يرى خبراء آخرون أن هناك تناميا لدور في الحديث عن وجود ما يسمى بالقنبلة النووية الشيعية بعد أن كان هناك حديث سابق عن ما يسمى بالقنبلة النووية الإسلامية في أعقاب امتلاك إسلام أباد لها على غرار امتلاك جارتها النووية الهند العدو التلقيدي التاريخي لهما هذا السلاح . و إذا كانت هذه التصريحات حديثة ، فيمكننا القول أن المرحلة الحالية تتسم بنوع من التوتر بين الدولتين يعد من هذا الجوار بينهما نقمة يمكن أن تشهد نوعا من التصعيد في المستقبل .
بلوشتان .. ساحة الصدام المكتوم والحرب الباردة بين إسلام أباد وطهران ومن جانبه يقول الباحث و الكاتب الصحفي سمير حسين المتخصص في الشئون الآسيوية إن المشروع الإيراني الرامي إلى تحقيق حلم الإمبراطورية الفارسية مازال قائما بل إنه يتصاعد بشدة ،أضاف أن هذه الأيام نجد أن إيران التي تدعم الجماعات المتشددة التي تتبنى الفكر الإرهابي تحاول أن تلقي باللائمة على جيرانها مثل باكستان حيث اتهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد «عناصر أمنية باكستانية» بالتورط في الهجوم الانتحاري مؤخرا والذي أودى بحياة 42 شخصا من بينهم عدد من قادة الحرس الثوري. وطالب نجاد السلطات الباكستانية باعتقال الجناة. وتابع قائلا : لم يتوقف الأمر عند حد الاتهام بل إنه تعدى إلى إعلان الحرب على بلد ذات سيادة وهي باكستان ، وهو ما نقلته صراحة وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية عن النائب عن إقليم سيستان بلوشستان بيمان فوروزيش الذي قال : «هناك إجماع على أن يقوم الحرس الثوري وقوات الأمن بعمليات في أي موقع يرونه مناسبا ، بل إن هناك إجماعا بأن تجري هذه العمليات داخل الأراضي الباكستانية» . و قال ليس هذا التوجه غريبًا على إيران ، فعندما زاد المجتمع الدولي من ضغوطه على إيران لوقف تخصيب اليورانيوم ، ردد البعض أن إيران سعت لدى المجتمع الدولي بطلب مفاده أن وقف تخصيب اليورانيوم في إيران مرتبط بتفكيك الترسانة النووية الباكستانية ، على اعتبار أن باكستان دولة سنية المذهب ، و هذا يشكل خطرًا على إيران الشيعية ، و هذا الكلام لم تنفه إيران أو تعلق عليه كالعادة ، و هذا الذي تردده إيران يخدم المصالح الأمريكية و الهندية و بالتالي فإن هدف الدول الثلاث أصبح هدفا واحدا و هو تدمير باكستان . و فيما يرى المراقبون أن نقطة توتر ستزداد بين الطرفين في المرحلة المقبلة ، ستصل إلى مداها في حال أن تصل إيران إلى تصنيع القنبلة النووية ، لكن على مستوى طالبان . و يقول فايد ، على الرغم من التوجه الباكستاني الرسمي لإجهاض أي دور لطالبان ، فإن المسعى الراهن هو محاولة تهدئة الأوضاع خاصة بعد اغتيال بن لادن ، ثم في مرحلة متطورة سيكون هناك نوع من محاولات الدخول في مفاوضات إن بقي وضع القاعدة على حاله الآن . لكن في حال أن يكون السيناريو الآخر هو إعادة بروز القاعدة كطرف قوي على الساحة مرة أخرى و هو أمر غير متوقع فيسكون من الصعب أيضا أن يكون هناك توافق بين الطرفين باكستانوإيران على لعب دور فى القضاء على القاعدة وستبقى الحدود الفاصلة بينهما نقطة ساخنة ومشتعلة لسنوات .
إيران تسعى إلى تحقيق الهيمنة وبسط النفوذ في المنطقة العربية و يرفض الدكتور عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن يكون هناك نوع من التدخل الإيراني في البحرين ، ويقول إنه بغض النظر عن دعم أو رفض الثورات في الملكيات العربية إلا أن التدخل الإيرانى في البحرين هو أمر مرفوض ، وهناك مؤشرات كثيرة عليه ، وهذا الأمر يستفز العديد من الدول ليس في منطقة الخليج فقط ، ولكن يتجاوز منطقة الخليج إلى دول مثل باكستان معروف أن التيار السني حاضر فيها بقوة. إيران تلعب دورا مهددا للطبيعة السنية في كل من أفغانستان و باكستان و لكن هناك عقدة حدودية بين الطرفين ساعدت أكثر كما يقول أيمن فايد على تنامي الصدام بين الطرفين ، فمن المعروف أن إيران تلعب دورا مهددا للطبيعة السنية في كل من أفغانستان و باكستان ، فإن قوات طالبان باكستان متهمة بتنظم حملات لاستهداف الشيعة في باكستان ، في المقابل يعيش البلوشيون السنة الذين تعتبرهم إيران ألد أعدائها على الحدود المشتركة بينهما حيث يمتد إقليم بلوشستان الذي هو أحد أخطر أقاليم العنف الطائفي بين السنة و الشيعة ، و فيه يظهر العداء المشترك بين الدولتين . و في ورقة أعدها الدكتور زاهد علي خان ، مع الدكتور أحمد شبير ، وهما من المتخصصين في العلاقات الدولية ، تحت عنوان العلاقات الإيرانية - الباكسانية من التدخل السوفياتي إلى سقوط طالبان تكشف عن أن تلك العلاقة استمدت شكلها من منطلق السياسة و المصلحة في أفغانستان، بعد ظهور حركة طالبان ، على الرغم من أن باكستان لا تؤيد وضع طالبان المسلح ، الأمر الذي يتفق معه علي بكر الخبير في شئون الحركات الإسلامية و الذي يضيف ، إذا كان التاريخ والثقافة واللغة والتجاور يجعل التاريخ يلتقي بالجغرافيا في الحدود بين تلك الدول ، لكن هناك صراع المذهب و الطائفة الذي لا يمكن إسقاطه من الحسابات السياسية ، التي جعلت طهران تمد يدها لواشنطن في لحظة « التحالف مع الشيطان « بعد 2001 ، في سياق غمار الحرب على الإرهاب كما تطلق عليه الولاياتالمتحدة حينها ، وقدمت لها إيران خدمات لوجستية أكثر مما كان متطورا من هذا المنطلق ، رغم ما هو معروف من العداء التاريخي بين واشنطن و إيران . من جانبه يؤكد الدكتور رأفت غنيمي الشيخ العميد الأسبق لمعهد البحوث والدراسات الآسيوية بجامعة الزقازيق : إن المخطط التوسعي الذي تسعى إيران إلى تنفيذه لضمان تحقيق الهيمنة و بسط النفوذ في المنطقة العربية و القارة الآسيوية على حد سواء يؤكد بما لايدع مجالا للشك أن إيران لا تحترم علاقات حسن الجوار ، إن إيران من خلال كثير من المواقف و الشواهد التي أثبتت سعيها لتهديد الأمن القومي العربي لدول الخليج و بالتالي فإنه يجب على إيران أن تكف عن هذه السياسة الخاطئة التي قد تضر بأمنها هي أولا .