توقف الزمن عند «علي» الشاب الإيزيدي وهو ينزح مع أمواج بشرية نحو الجبل، تاركاً قلبه مع مصير حبيبته «فيان» وهي تُنتزع من والديها مع مئات أخريات في عملية فرز لزجهن ضمن مشروع «سبايا الخلافة» قبل أكثر من عام مضى. تصدعت قصة الحب هذه مع السقوط المدوي لمدينة «سنجار» في نينوى، تحت سطوة تنظيم «داعش» يوم الثالث من آب (أغسطس) عام 2014، عندما كان علي الذي لم يتجاوز ربيعه العشرين يعيش مشاهد لحظات موت النازحين جوعاً وعطشاً، فيما ترزح «فيان» وقريناتها تحت قسوة «جند الخلافة» وآلام تكويها صيحات النساء وبكاء الأطفال في ظروف غامضة لم يعلم من عاشها ما الذي سيواجهه في المستقبل. رفض «علي» الخنوع «لليأس»، ليقرر مغادرة مخيم النازحين والالتحاق بفصيل من المتطوعين الإيزيديين لمقارعة «داعش» وشارك في معارك ضارية، ثم بدأ من هناك رسم خطوات لإنقاذ «فيان» التي استقر بها الحال في أحد سجون «داعش» بنينوى. وبعد شهور قضتها حبيبته في الانتقال بين المعتقلات، نجح «علي» في تأمين اتصالات مع شقيق «فيان» عبر جهاز نقال كان يستخدمه سراً، في الفترة التي سبقت إعلان «داعش» حجب شبكات الاتصالات، وتم الاتفاق على الإحداثيات وطريقة الهروب ليلاً وسيراً على الأقدام من دون المرور بنقاط السيطرة أو خطوط القتال، وفي أعقابها بدأت خطوات تنفيذ الخطة، لتجد لاحقاً «فيان» طريقها إلى النجاة برفقة أسرتها. تنفيذ الخطة كان متقناً، ففي ذلك الوقت كان لا يزال هناك أطراف في الموصل يمكن أن تساعد في تقديم العون وبعد وصول «فيان» إلى بر الأمان في إقليم كردستان، تم نقلها مع ناجيات أخريات إلى ألمانيا لإدخالها في دورة إعادة تأهيل نتيجة المعاناة التي عشنها في ثنايا سجون «داعش». وهناك التقت فيان مجدداً بحبيبها «علي» الذي التحق بها، وكانت المفاجأة عندما نشر صورة لهما على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» يعلن فيها خطوبتهما رسمياً. وكان سبق أن تزوجت ثلاث ناجيات من دون الكشف عن هوياتهن، مراعاة للعرف والنظرة الاجتماعية التي قد لا ترحمهن، لا سيما بعد تعرضهن للاغتصاب على أيدي عناصر التنظيم المتشدد. ورفض الخطيبان إقامة حفل رسمي احتراماً للمآسي التي يشهدها المجتمع الإيزيدي، ويؤكدان أن سعادتهما لن تكتمل إلى حين تحرير من تبقى من المخطوفات، وجعل قصتهما نموذجاً يحتذى به لتوجه رسالة إلى «داعش» بأن المجتمع الإيزيدي لن يرضخ للترهيب وحملة الإبادة عبر سلاح «الحب» باعتباره مصدر قوة لبناء حياة جديدة تجسد حقيقة المجتمع الإيزيدي. القصة أخذت حيزاً واسعاً في وسائل الإعلام المحلية وحظيت بتأييد كبير على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، إذ نشرت بعض الحسابات الخاصة والصفحات الشخصية صورة الخطيبين، واتسمت التعليقات بعبارات الإشادة تحت عناوين كثيرة منها «البطلان علي وفيان» و «التحدي» و «الجرأة»، فيما وجه أحدهم الدعوة إلى تحويل قصة الحب والأسر إلى فيلم سينمائي يؤرخ المرحلة.