"روحي وما ملكت يداي فداه" و "ظالم ولكن" و "الله يرد خطاك" و "أحبك لو تكون حاضر" وغيرها من الأغاني التي لا زال عشاق الغناء في السعودية خاصة والعالم العربي عامة يتغنون بها لقيثارة الشرق وصوت الأرض طلال مداح، ورغم مرور 15 عاما على رحيله بعد سقوطه الأخير على خشبة مسرح المفتاحة في حفلات صيف أبها 2000، إلا أن صوت "أبو عبدالله" لا زال يتردد على مسامعنا، حاضرا في أفئدتنا. عند الحديث عن تاريخ طلال لابد وأن تعود إلى الخامس من أغسطس والذي لم يكن يوما عاديا بالنسبة للفن في السعودية والعالم العربي، حيث دوت فيه صرخة أحد أعظم من تغنى بالوطن والعشق والعتاب، مكةالمكرمة كانت البداية في بيت "الجابري" قبل أن ينطلق هذا "الطلال" نحو عشقه الأزلي، فمن كان يعشق موسيقار مصر الشهير محمد عبدالوهاب، لا يمكن إلا أن يكون فنانا ذا حسا موسيقيا مرهف وصوتا طربيا شجي. طلال مداح الذي أثرى الأغنية السعودية، تعاون مع الكثير من الشعراء والملحنين الذين ساهموا في وصوله لقمة المجد، بعد تغنيه بكلماتهم والحانهم، فيكفي عند الحديث عن الشعراء ذكر عبدالله الفيصل وبدر بن عبدالمحسن ومحمد بن عبدالله الفيصل وخالد الفيصل وإبراهيم خفاجي ولطفي زيني وفيصل الفقيه وغيرهم ممن تسيدوا ساحة الشعر، كما أن الملحنين الكبار أسهموا في مسيرة طلال مثل بليغ حمدي وطارق عبدالحكيم وعبدالرب إدريس وأبو بكر سالم وفوزي محسون وغيرهم. طلال مداح الذي جمع حلاوة الصوت والأداء معا وهذا نادر إن يجتمع في فنان واحد بخلاف طلال وهذه هبه من الله سبحانه وتعالى، يتمتع أيضا مداح بصوت نادر مفعم بالحساسية والدفء يصل إلى القلب قبل الأذن ونبرات صوته في القرار جميلة وفي الحدة أجمل، تطربه موسيقى بيتهوفن وتعجبه قصائد القصيبي. في العلم الموسيقي يعتبر طلال مداح من أصوات "الميزو التو" ومنه قرار الصول وجواب الصول فوق الخطوط، حيث وبشهادة كبار الفنانين العرب أن طلال مداح يغني من صول القرار إلى جواب الصول "اكتافين". كما أن طلال من القلة الذين غنوا باللهجات المصرية واللبنانية واليمنية والمغاربية. عند الحديث عن الوطن فإن طلال في مقدمة من تغنوا به فأوبريتات مهرجان الجنادرية لم يغب عنها منذ 1405 حتى وفاته مع رفيق دربه محمد عبده، كما أن أغانيه الوطنية لا زالت تردد حتى وقتنا الحالي وأشهرها "وطني الحبيب .. وهل أحب سواه" و "ديرتي" كما أن الوطن كان حاضرا مع طلال من خلال مشاركات المنتخبات السعودية في شتى البطولات بتقديم العديد من الأغنيات التاريخية مثل "يا ناس الأخضر لا لعب .. بركان يتفجر غضب" و "أول ما نبدأ وش نقول". كما أن طلال تغنى في مناطق المملكة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها حتى غربها. ويعتبر طلال مداح أول فنان سعودي يحصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الثانية من الملك فهد بن عبدالعزيز "رحمه الله" عام 1405 بعد مشاركته في الجنادرية. طلال مداح لقي تكريما على مستوى رفيع سواء من شخصيات عربية قيادية مثل تسلمه وساما من الرئيس التونسي السابق الحبيب بو رقيبة وجائزة من الزعيمالليبي الأسبق معمر القذافي، أو العديد من الشهادات والتكريم آخرها في مهرجان الأغنية العربية بالقاهرة عام 1998. كما شارك في العديد من المهرجانات في العالم العربي. ولا يمكن أن ننسى أن طلال مداح أول فنان سعودي قدم أغنية عاطفية وذلك عام 1377 وهي أغنية "وردك يا زارع الورد" التي لحنها بنفسه. كما أسهم في مسيرة العديد من الفنانين بدعمهم في بداياتهم مثل محمد عبده وعبادي الجوهر وعتاب وعلي عبدالكريم وهاله هادي وعبدالمجيد عبدالله ورابح صقر. عند الحديث عن طلال مداح فإنك تتحدث عن أولويات لم يسبقه بها أحد فهو أول فنان سعودي دخل ميدان الإنتاج السينمائي بفيلم "شارع الضباب" وأول من قدم مسرح في التليفزيون السعودي. كما أنه أول من طبع أُسطوانات داخل السعودية، وأول من قدم فرق موسيقية متكاملة ضمن غناء الجزيرة والخليج وأول فنان سعودي يقم حفلات خارج المملكة. كما أنه ساهم في تحديث وتطوير الأغنية السعودية وذلك من أول أغنية تغنت على نمط الكوبليهات (الأغنية المكبلهة) وهي "أغنية وردك يا زارع الورد". كما عمل على إضافة وتر للعود وتعلم التقنية الموسيقية وعمل مقطوعات موسيقية. إضافة إلى أنه أول فنان خليجي ترجم له التلفزيون الفرنسي أغنية وهي (وعد) كما تم تسجيله من قبل جمعية المؤلفين والموسيقيين في فرنسا. في سنواته الأخيرة عانى طلال مداح من مشاكل في القلب وانسداد في صمامات القلب، وأجرى عملية قسطرة للقلب ونصحه الأطباء بالراحة المطلقة والابتعاد التام عن التدخين، ولكنه استمر في أداء الحفلات والغناء حتى توفي يوم الجمعة الموافق 11/5/1421ه إثر تعرضه لأزمة قلبية وهو على مسرح المفتاحة كان للتو بدأ يؤدي وصلته الغنائية بعد موجة تصفيق كبيره استمرت 5 دقائق وكان قد سقط من على الكرسي وهو يتهيآ لأداء اغنية "الله يرد خطاك" الذي كان يجلس عليه وتم نقله سريعا إلى المستشفى ولكن كانت المشيئة الإلهية أسرع وأمضى، وقد نقل جثمانه للصلاة عليه في المسجد الحرام بمكةالمكرمة ودفن بمقابر المعلاة بمكةالمكرمة وقد شيّعه أكثر من 100 ألف من محبيه ومعجبيه، كما حضر مراسم العزاء بمدينة جدة عدد كبير من رجال الدولة وعدد كبير من الفنانين والصحفيين.