منعت القنوات العربية في السنوات القليلة الماضية بث عدد من المسلسلات لأسباب بعضها ظل مجهولاً وبعضها لدواعي الحفاظ على السلم الاجتماعي، منها مسلسل "الطريق إلى كابول" للفنان عابد فهد الذي غاص في عوالم ما يعرف بالأفغان العرب ورحلة الجهاد في أفغانستان وتأسيس حركة طالبان وانطلاقة الآيدلوجية الجهادية التكفيرية، وقد تم عرضه في تلفزيون قطر قبل أن يتم منعه وإتلافه نهائياً بعد عرض ثماني حلقات فقط. هذا المنع سيتكرر لاحقاً مع مسلسلات أخرى تناولت قضايا إشكالية مثل المسلسل الذي حكى سيرة الشاعر سعدون العواجي. أمام هذه الأمثلة لم يكن متوقعاً أن يبث المسلسل الكويتي "تورا بورا" للفنان القدير سعد الفرج وذلك لأنه يتناول مأساة العائلات التي غررت التنظيمات الإرهابية بأبنائها، وبالفعل فقد تم منع المسلسل العام الماضي وكانت التوقعات تشير إلى إتلافه نهائياً مثلما جرى ل"الطريق إلى كابول" لكن جاء الفرج قبل أشهر قليلة حين تم السماح بعرضه عبر التلفزيون الكويتي الرسمي في شهر رمضان الحالي، وكان استثناء جميلاً في الدراما الخليجية التي لم تعتد طرح مثل هذه الأعمال الصريحة التي تناقش الوجع الحقيقي في وقته الصحيح، وهل هناك وقت أفضل لبث عمل عن اختطاف الإرهاب لأبناء الخليج من هذا الوقت الذي ينشط فيه شيطان الإرهاب على يد داعش وجبهة النصرة والإخوان المسلمين. مسلسل "تورا بورا" ذو نفس ملحمي وإنتاج عال الجودة على مستوى الأسلوب والتكنيك الدرامي، وهو يحكي معاناة أب وأم كويتيين يقرران البحث عن ابنهما الذي انضم لطالبان وتنظيم القاعدة، وخلال رحلتهما إلى أفغانستان يتم فضح الممارسات التي تقترفها هذه التنظيمات الإرهابية لمسخ عقول المراهقين وتحويلهم إلى قتلة. ويؤدي دور الأب سعد الفرج فيما تلعب أسمهان توفيق دور زوجته، وقد أجادا رسم المعاناة التي ارتسمت على الأب والأم اللذين فقدا الأمل في العثور على ابنهما المختفي منذ عقدين ليكتشفا معلومة تفيد أن الابن المفقود موجود في أفغانستان يقاتل مع طالبان، ليقررا تلقائياً السفر إلى هناك للبحث عن بصيص أمل بلقاء ابنهما، وفي أعالي جبال "تورا بورا" يقتربان مما يجري في هذا الجزء الشاهق المتعرج من العالم الممزق فعلياً من قتال بين الأفغان من أجل السلطة وقيادة الناس وتكفير من يخالفهم. الشاشة الخليجية تحتاج لمثل هذا الإنتاج الدرامي الراقي لكشف المشاكل والأخطاء وتصحيح المفاهيم خاصة مفاهيم الشباب المراهق الذي يترك كل شيء دون اعتبار لعائلته التي تعاني الأمرين بسبب رحيله. ورغم أن العمل يناقش بعمق ما جرى قبل نحو 14 سنة في أفغانستان إلا أن المعاناة ذاتها لا تزال تتكرر لكثير من الأسر التي ابتليت بذهاب أبنائها لمناطق الفتن والحروب. إن ما قدمه سعد الفرج من دور بطولي مهم، وأسمهان توفيق وخالد أمين وقائمة طويلة من الممثلين العرب في مسلسل "تورا بورا"، يعد سلاحاً فنياً ضد فيروس الإرهاب الذي انتشر في العالم العربي بسبب "القاعدة" و"داعش" وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية المجرمة.