دعا تنظيم «داعش» الإرهابي، المتعاطفين معه في السعودية إلى «البراءة من أهلهم وذويهم»، وذلك في إصدار مرئي للتنظيم ظهر أخيراً. وجاء في الإصدار الذي أنتجه ما يسمى «المكتب الإعلامي لولاية بركة»، محاضرة دعوية يرجح أن ملقيها سعودي الجنسية. وتضمنت تحريضاً صريحاً على قتل الأقارب والأهل بدعوى «المعروف والنصرة، وتطبيقاً لشريعة الولاء والبراء». فيما أكد شرعي أن هذا الخطاب «إجرامي لا علاقة له بالدين». وتداول مغردون «دواعش» الإصدار الأخير على نطاق واسع، موجهين ما جاء فيه إلى من أسموهم «المناصرين في الداخل والمعذورين من النفير واللحاق بصفوف التنظيم». وتضمن الإصدار محاضرة دعوية مصورة في إحدى المناطق التي يسيطر عليها «داعش»، دعوة «للمناصرين للبراء من أهلهم أولاً»، معتبرين ذلك من «المعروف الذي جاء في القول المأثور «الأقربون أولى بالمعروف»، وقتلهم ثانياً، وتخصيص القتل للأهالي الموظفين في السلك العسكري». وأكد المتحدث الداعشي في خطابه أن «بهذا العمل يقوم الدين». وقال: «إلى الإخوة في جزيرة العرب ممن حبسهم العذر، تبرؤوا من أقرب الناس إليكم، فذلك هو المعروف والأقربون أولى به، تبرأ من والدك وأخيك وعمك، فأعظم المعروف الولاء والبراء، وإن كان أحدهم يعمل في السلك العسكري فتبرأ منه أولاً واقتله ثانياً، وحرض من تعرف على البراء والقتل». وتابع: «إن رأيت أحداً يود النفير قل له لا تنفر، اقتل جنديين أولاً ثم انضم إلى صفوف التنظيم». بدوره، اعتبر أستاذ الدراسات العليا في جامعة أم القرى عضو مجلس الشورى السابق الدكتور الشريف حاتم العوني، هذا الخطاب الداعشي «خطاباً إجرامياً لا علاقة له بالإسلام». وقال ل «الحياة»: «هذا خطاب يقوم على رأي فيه جهل وغلو شديد في الموقف من الاستعانة بالكافر على المسلم الباغي الظالم. وهو خطاب يدعو لقطع الرحم وعقوق الوالدين واستباحة دم المسلم بغير حق، فهو جمع من الكبائر والموبقات ما لا يستبيحه مسلم، إلا هذا الفكر المنحرف الذي ينطلق «داعش» منه». وأضاف العوني: «هذا التقرير الناشئ عن شدة الغلو من مسألة «الولاء والبراء»، ومسألة حكم الاستعانة بالكافر على المسلم منه خاصة، وهذا التقرير الغالي ما زال هو المقرر لدى كثير من المعاصرين، لأنه هو الأكثر شيوعاً في مؤلفاتهم مثل «الدرر السنية»، وغيرها من الكتب المطبوعة والمفسوحة في السعودية، على رغم التنبيه على غلطه وخطورته». وأوضح أن الاستعانة بالكفار على المسلمين (وهو موضع الجدل في الولاء والبراء) لا يكون كفراً، إلا إذا كانت لاعتقاد كفري، كبغض دين الإسلام وأهله، أما بغير ذلك فيختلف حكمه بحسب مقصد المستعين، وبحسب مصالح هذه الاستعانة ومفاسدها». بدوره، أوضح الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية الدكتور منصور الشمري ل «الحياة»، أن «التكفير عند الجماعات المتطرفة ينطلق غالباً من الغلو في عقيدة الولاء والبراء، والتوجه للغلو سببه إيجاد أرضية ومناخ مؤثر على الأتباع لتنفيذ العمليات الإرهابية كالتفجير والاغتيالات، لذلك لا نستغرب عندما يقوم أحدهم بتكفير رجال الأمن، تمهيداً لقتلهم والإخلال بالأمن». وقال الشمري ل «الحياة»: «غالباً ما يكون تصوير الولاء والبراء مؤثراً، عندما يمزج بآيات وأحاديث، وتستغل الجماعات المتطرفة صغار السن في تنفيذ العمليات الانتحارية. بينما لا نجد قائداً نفّذ عملية انتحارية إلا ما ندر، وفي ظروف أجبرته على ذلك. وذهب ضحية الغلو في الولاء والبراء عدد من المتعاطفين، فيما تحول كلام الله تعالى وسنة رسوله عند الجماعات المتطرفة أداة لتسويق عمليات القتل والتدمير». وأضاف: «تدعو الحاجة علماء الدين بالدرجة الأولى، إلى شرح مفاهيم كثيرة وحساسة للشباب، مثل دار الكفر ودار الحرب وجهاد الدفع وجهاد الطلب ومفهوم الولاء والبراء»، مؤكداً على «عدم ترك مثل هذه الأمور عالقة وعائمة، حتى لا يقع الشبان والفتيات ضحية لتفسيرات مغرضة، تعبث باسم الدين والعقيدة». من جهته، قال الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة محمد العمر ل»الحياة»: «إن محاولات الاغتيالات التي تُنفّذ باسم أي تنظيم متطرف مثل «القاعدة» أو «داعش» داخل السعودية، هي إما أن تتم على نحو ترتيب وتوصيات دقيقة وموجهة لأشخاص بعينهم، أو باختيارات عشوائية لأشخاص عشوائيين، دافعها الحماسة والتعاطف إثر استقبال رسائل محرضة عبر الإنترنت». وذكر العمر أن «المتعاطفين مع «داعش» يتلقون تحفيزات لعمل اغتيال من شأنه إرباك المشهد العام في الداخل، ولو على حساب التضحية بالأخ أو الأب، أو حتى القريب لمجرد عمله في قطاع عسكري، وهذا في الغالب يتلقفه حدثاء الأسنان وعديمو الإدراك بِعِظَم الفعل، ولا بحيثيات العواقب».