ليس من المعتاد أن ينخرط رجال الأعمال المصريون في الجدل السياسي، خصوصا إذا كانوا من مجتمع الأقلية المسيحية، أي الأقباط في البلاد. إلا نجيب ساويرس، الملياردير الصريح الذي بنى إمبراطورية اتصالات تمتد من الجزائر إلى باكستان، قبل بيعها إلى شركة فيمبلكوم الروسية في عام 2011، يملك تاريخا في إثارة الجدل. باعتباره رجلا لا يعزف عن المخاطر - حيث استثمر إلى حد كبير في الجزائر والعراق عندما كان كلا البلدين، قد خرجا بالكاد من حالة حرب، ولا يزال يتولى تشغيل شبكة اتصالات في كوريا الشمالية – قد أقدم على ما اعتُبِر المقامرة الكبرى في حياته عندما عارض بصوت عالٍ، حُكم جماعة الإخوان في مصر قبل عامين، ولعب دوراً نشطا في إسقاطه، حسب زعمه. من مكتبه الأنيق المصمم على طراز آرت ديكو (أسلوب العشرينيات والثلاثينيات) المُطلّ على النيل في القاهرة، يقول إنه دخل السياسة بعد ثورة عام 2011، لأنه: "رأى أن جماعة الإخوان كانوا غير ديمقراطيين، وسيخلطون الدين بالسياسة وسينتهي الأمر إلى فوضى كبيرة". قناة التلفزيون التي يملكها: أون تي في، والحزب السياسي الذي عمد إلى تأسيسه ولا يزال يباشر تمويله، أي حزب "المصريون الأحرار"، كانا في طليعة الجهود للحشد ضد الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، الذي أطيح به في تموز (يوليو) من عام 2013، على خلفية احتجاجات ضخمة ضد حكمه. ويقول إن قناة أون تي في كانت هي "الخنجر والسيف" ضد الإخوان. الآن بعد أن أطيح بجماعة الإخوان والبلاد يقودها عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش السابق، لا يزال ساويرس في السياسة، لأنه يريد "التأكد من أنه سيتم بناء الاقتصاد المصري بالطريقة الصحيحة". يقول، متحدثاً أثناء التحضير لمؤتمر الاستثمار الدولي الذي تستضيفه السلطات المصرية اليوم، إنه للمرة الأولى منذ ثلاثة أعوام أصبح مستعداً للاستثمار في وطنه الأم - ما يصل إلى نحو 500 مليون دولار في البنية التحتية، والطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية. كما ينخرط أيضاً في توسيع مصنع سكر يملكه في جنوب مصر، ويدرس تنفيذ "استثمار كبير" في وسائل النقل العام، كما يسعى للحصول على تراخيص النقل النهري عندما يتم توفيرها. يقول: "لقد انتظرنا حتى أصبح هناك نظام حكم مستقر منفتح ويملك وجهة نظر اقتصادية واضحة". وفي الوقت الذي يرفض فيه سلسلة من التفجيرات الصغيرة القاتلة في بعض الأحيان من قبل الذين يفترض أنهم من الإخوان، يرى أنها "لن تمضي بمرتكبي التفجيرات إلى أي مكان". التعديلات على قانون الاستثمار التي تم إعلانها للتو تتصدّى لبعض مخاوف أصحاب المشاريع مثل ساويرس، الذي يريد قوانين صديقة للأعمال، تضمن تنفيذ العقود مع الحكومة، وإبعاد رجال الأعمال عن السجن في حال فشلت المشاريع، تاركةً إياهم مع عبء الديون. بالنسبة للنقّاد الذين يقولون إن الإطاحة بمرسي أنهت تجربة الديمقراطية في مصر، وكشفت عن حالات قمع واسعة ضد ما كانت مجموعة منتخبة هي ومؤيدوها، يردّ ساويرس أن جماعة الإخوان كانت تبني "نظاما استبدادياً" دينيا كان لا بُد من إيقافه. معارضته للإخوان خلال فترة حُكم مرسي، جلبت إلى عائلته غضب الحكومة في ذلك الحين. في آذار (مارس) من عام 2013، تعرّض شقيقه ناصف – الذي هو نفسه أيضا قُطب أعمال ورئيس مجلس إدارة مجموعة أوراسكوم للصناعات الإنشائية، وهي مجموعة عالمية للإنشاء والأسمدة – واجه فاتورة ضريبية وغرامات تبلغ نحو ملياري دولار. المطالبة تعود أصولها إلى إحدى تعاملات البورصة في عام 2007، التي اعترفت بها السلطات حتى ذلك الحين على أنها مُعفاة من الضرائب. كما تم فرض حظر السفر على شقيقهما ووالدهما، أُنسي، رئيس مجلس الإدارة السابق في شركة أوسي آي، اللذين كانا خارج البلاد في ذلك الوقت، لكن كان من الممكن القبض عليهما في حال عادا إلى البلاد. توسلت إليه عائلته ليبقى صامتاً، لكن ساويرس يقول إنه لم يتراجع، حتى عندما جاءت الرسالة من السلطات أنه قد يتم إلغاء المطالبة إذا "أغلق فمه". "هناك اعتقاد أن كل مسيحي (مصري) خائف وأن كل مسيحي سيدير خدّه الآخر. حسناً، هناك بعض المسيحيين مثلي الذين يؤمنون بما يقوله اليهود والمسلمون: "العين بالعين والسن بالسن". إذا هوجمت، سوف أردّ، فهذا حقّي". إذن هل يشعر الآن أنه مستهدف من قِبل المتشددين؟ يضحك قائلاً: "أنا لا أشعر بذلك. أنا أعرف ذلك. لقد تم العثور على رسائل حيث اسمي موجود على قوائم الاغتيال. أنا أملك دليلا كافيا". إضافة إلى مقتنياته الإعلامية في مصر، التي تتضمن قناة أون تي في، وحصص على الأقل في صحيفتين وشركة إعلانات، فإن مشروعه الأخير هو عملية استحواذ على حصة أغلبية في شركة الإعلام الفرنسية يورونيوز. لا تزال الصفقة تنتظر موافقة الجهات التنظيمية، لكن تم إقرارها من قِبل مجلس إدارة القناة. بالنسبة لساويرس، "يورونيوز" تعتبر جذابة لأنها "القناة الإخبارية الأكثر حياداً في أوروبا أو في العالم الغربي". مثل كثير من المعارضين لجماعة الإخوان في مصر، فهو يرى تغطية وسائل الإعلام الغربية للإطاحة بهم، بأنها منحازة بدرجات متفاوتة. غير أنه ينفي أي نية لاستخدام استثماره في "يورونيوز" للتأثير على الخطاب الدولي بشأن الإخوان. يقول إن اهتمامه في الأساس هو كمستثمر جذبته خطة الأعمال الجديدة الخاصة بالقناة. "التغييرات ستكون أكثر تركيزاً على العالم الرقمي، وعلى وسائل الإعلام الاجتماعية، وفي التوسّع في اللغات الأخرى، وتجديد العلامة التجارية وتقديم برامج سياسية أكثر، وهي برامج لا تملكها القناة". وعلى الرغم من كل عدائه تجاه جماعة الإخوان الذين يلومهم على أعمال العنف في البلاد، فإن ساويرس لا يزال يقول إنه يشعر بالقلق حول ما يرى أنه حملة مبالغ فيها، من أجل مطاردتهم ومعاقبتهم في مصر. ويصرّ على أن وسائل الإعلام المحلية التابعة له لطالما كانت عادلة وموضوعية. لماذا تختفي إذن أصوات النقّاد، وتغطية حقوق الإنسان والمُذيعون الذين يتحدّون الدولة، الذين يبدو أنهم اختفوا عن شاشة قناة أون تي في، إلى حد كبير؟ يقول ساويرس: "أنا لم أطلب من أحد المغادرة. لقد سئم الناس الآن من الثورة، وسئموا من حقوق الإنسان، وسئموا من المظاهرات، وضاقوا ذرعاً من الإضرابات. لا يمكنك لوم الناس لتركيزهم على حياتهم ومعاشهم وعملهم واقتصادهم". ويُشير إلى دعمه في الآونة الأخيرة للمذيعة اللبنانية على قناة أون تي في، ليليان داوود التي تستضيف ما يُعتبر أنه واحد من البرامج المحايدة القليلة الباقية. لقد كانت هدفاً لحملة تشويه، بلغت حد حتى المطالبة بطردها من البلاد، بسبب كتابتها رسالة دعم على موقع تويتر للنشطاء العلمانيين الذين صدرت بحقهم أحكام بالسجن، بتهمة انتهاك قانون مُثير للجدل يعمل على تقييد المظاهرات. "أنا أود لو أن الحكومة تصون حرية التعبير، وبالذات للشباب في التعبير عن آرائهم حتى لو كانت لا تعجبهم. أنا أود رؤية انتخابات لا يوجد فيها أي تدخل. أنا أود أن يتم تشكيل الحكومة التالية بموافقة وإدراج جميع الآراء السياسية". يقول إن هناك دليلا على "عودة الأساليب القديمة"، مع محاولة الدولة لهندسة التحالفات قبل الانتخابات البرلمانية، التي تم تأجيلها أخيراً، لكن لا يزال من المتوقع أن تتم في غضون أشهر. كما يعترف أن حزبه قد دخل إحدى هذه القوائم الانتخابية، على الرغم من تحفّظات الحزب. ويضيف: "نحن لا نريد أن نتصادم. نحن نعتقد أن التصادم في الوقت الحالي في مصر سيؤدي إلى نتائج عكسية. نحن نعتقد أن المعركة في مصر هي حول الاقتصاد، وسنقوم بالمساعدة في ذلك الاتجاه؛ لكن الصدام والإضرابات... نحن لا نفضل ذلك".