أكدت "دار الإفتاء" أن الجهاد فريضة لا يملك أحد تعطيله ولا منعه، وشددت على أن الدفاع عن ديار المسلمين في مواجهة الأعداء "فرض عين" على لأبناء هذا البلد الذي يتعرض للاعتداء ولغيرهم يعد فرض كفاية. ونقلا عن المصريون فقد قالت إن مفهوم الجهاد هو مصطلح إسلامي نبيل وله مفهومه الواسع في الإسلام فهو يطلق على مجاهدة النفس والهوى والشيطان ويطلق على قتال العدو الذي يراد به دفع العدوان وردع الطغيان، لكنها قالت إن الجهاد قد يصير فسادا في الأرض وغدرا وخيانة إذا حاد عن الضوابط الشرعية ولم تطبق فيه الأركان والشروط والقيود التي وضعها علماء الشريعة خرج عن أن يكون جهادا مشروعا. وأوضحت أن الجهاد له شروطه التي لا يصح بدونها، وحددت هذه الشروط في وجود الإمام المسلم الذي يستنفر المسلمين للجهاد، ووجود راية إسلامية واضحة، وتوفر الشوكة والمنعة لدى المسلمين، فهو من فروض الكفايات التي يعود أمر تنظيمها إلى ولاة الأمور والساسة الذين ولاهم الله تعالى أمر البلاد ويكون قرار الجهاد مدروسا من جميع جوانبه دراسة علمية وواقعية فيها الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد. وأضافت أن مصطلح الجهاد في الإسلام لا يعني القتال فقط، بل أن من الجهاد إعداد الجيوش وحماية الحدود وتامين الثغور؛ فهذه من فرض الكفاية في الإسلام، فإذا تم ذلك حسب الاستطاعة فلا يقال حينئذ إن الجهاد قد تم تعطيله. ودللت "دار الإفتاء" بقول الشافعية على أنه يحصل فرض الكفاية أي الجهاد بأن يشحن الإمام الثغور بمكافئين للكفار مع إحكام الحصون والخنادق وتقليد الأمراء أو أن يدخل الإمام ونائبه دار الكفر لقتالهم، مشيرة إلى أن إعداد قوة الردع أهم من القتال نفسه لأن فيها حقنا للدماء، وقد استشهدت بقوله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم". وفي فتواها رقم 1252 التي جاءت ردا سؤال بشان شرعية قتل السياح الذين يأتون إلى بلاد المسلمين من باب الجهاد في ظل تعطيل هذه الفريضة، أفتت "دار الإفتاء" بحرمة قتل السياح والمسافرين غير المسلمين الذين يدخلون بلاد الإسلام، "لأنهم دخلوا بلاد الإسلام بأمان وحكمهم في ذلك حكم المستأمنين؛ فالأمان عهد شرعي وعقد يوجب لمن ثبت له حرمة ماله ونفسه، وقد أمر الشرع بالوفاء بالعهود، ومن ثم فإن التعرض للسياح الذين جاءوا إلى بلاد الإسلام منكر عظيم وذنب كبير لتناقضه مع مقتضى تأميننا لهم بسماحنا لهم بدخول بلادنا بالطرق الشرعية". كما أفتت بعدم جواز "العمليات الانتحارية" التي تتسبب في قتل المسلمين أكثر مما تصيب من غير المسلمين، وقالت إنها "غير جائزة بأي حال من الأحوال لما تتسبب في هلاك للمسلمين وجر الوبال عليهم دون الانتصار على العدو"، مستشهدة بقول الشافعي- رضي الله عنه- والواجب أن ما يتم البدء به هو سد أطراف المسلمين بالرجال وأن قدر على الحصون الخنادق وكل أمر دفع العدو وقبل انتياب العدو في ديارهم حتى لا يبقى للمسلمين طرف إلا وفيه من يقوم بحرب من يليه من المشركين. وأكدت أن الجهاد "فرض عين" في البلاد التي يُعتدى فيها على حرمات المسلمين ومقدساتهم من قبل الغزاة البغاة حيث يعين على أهلها الدفاع عنها، لكنها قالت إنه لا يلزم الجهاد كل أحد من المسلمين وإنما يصير على كل من خارجها فرض كفاية كما نص عليه الفقهاء. واستشهدت بقول العلامة الشربيني الخطيب "والحال الثاني من حالي الكفار أن يدخلوا بلدة لنا مثلا فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم ويكون الجهاد حينئذ فرض عين.. ومن هو دون مسافة القصر من البلدة التي دخلها الكفار حكمه كاهلها أن كان في أهلها كفاية لأنه الحاضر معهم ويلزم الذي في مسافة القصر المضي إليهم عند الحاجة بقدر الكفاية دفعا لهم وإنقاذا من الهلكة فيصير فرض عين في حق من قرب وفرض كفاية في حق من بعد". وأوضحت أن الجهاد "فريضة محكمة إلى يوم الدين"، واعتبرت أن ما تقوم به الجيوش النظامية اليوم في بلاد المسلمين من تأمين للحدود والثغور وقوى الردع هو القيام بجانب فرض الكفاية فيه أداء لما ترى في استطاعته منه، وأن ذلك من شانه أن يرفع عن الجهاد وصف الفريضة الغائبة وحتى لو كان هناك تقصير في الجهاد من قبل حكام المسلمين فإنه "لا يبرر بحال من الأحوال الأعمال التخريبية التي تهلك الأخضر واليابس".