تفاجأ أبو "عبدالرحمن" بعد عودته من صلاة الجمعة وجلوسه مع أفراد أسرته لتناول طعام الغداء بسؤال زوجته الذي جاء بصيغة التأكيد "أنت معرس عليّ؟"، وقبل أن يفيق من صدمة السؤال أكلمت حديثها قائلة: "حلمت أنك متزوج عليّ، لا وبعد مستأنس وأنت جالس معها في (الكوشة)"، وحينما طلب منها أن تتعوذ من الشيطان وأن تدرك أنَّ الحلم الذي رأته ربما كان بسبب تناولها وجبة عشاء دسمة في فرح ولد خالتها، إلاَّ أنَّ ردها لم يستغرق وقتاً طويلاً، إذ قالت: "الشيطان لا يأتي في الأحلام، وأحلامي خالية من الأوهام والكوابيس"، مُضيفةً أنَّ جاراتها يصفن أحلامها بالصادقة، إلى جانب طلبهنّ منها تفسير أحلامهن. إنَّ "أم عبدالرحمن" على ما يبدو قد تكون صورة طبق الأصل من النساء العربيات اللواتي يعيش بعضهن حالة قلق مستمر خوفاً من زواج زوجها، فنجدها متحفزة ومتأهبة وخائفة ومتحفظة، فهل يعود سبب الخوف هنا إلى أنَّ الرجل الشرقي يفضّل عادةً تعدّد الزوجات؟، أم لأنَّ خريف العمر لدى الرجل يأتي بمثابة موسم الهجرة إلى فصل الربيع مع زوجة جديدة تعيد له عجلة الزمان إلى الوراء؟. شكوك الزوجة وأكدت "أمل حمود" على أنَّ الحديث عن طبيعة وحدّة هذه المخاوف لا يعني رفضها أو إنكارها لمشروعية التعدد، إلاَّ أنَّه لا يعني في الوقت نفسه تجاهل أو إلغاء حقيقة الغيرة الشديدة لدى المرأة لدرجة شعورها أنَّ زوجها تزوج عليها بأخرى، مُضيفةً أنَّ هذا هو أقوى وأقسى صفعة قد تصادفها في حياتها وتنغص عليها علاقتها بزوجها، مضيفةً: "لا ألوم الزوجة حينما تصبح كل تصرفاتها رهينة لمخاوف وشكوك لا يسعى الزوج بأيّ حال من الأحوال لدحضها أو تطمينها أنَّها مخطئة". وأوضحت "فاتن دياب" أنَّ الزوجة الثانية تظل الهاجس البغيض الذي تحاول الزوجات عدم التفكير به، مضيفةً أنَّها لا تحتمل مجرد الحديث عن زوجة أخرى، حتى إن كان ذلك من باب المزاح، مُشيرةً إلى أنَّها لا تجد لزوجها أيّ أسباب تبرر له الإقدام على مثل هذه الخطوة، خصوصاً أنَّه في انشغال تام عن مسؤولياته تجاهها وتجاه المنزل والأبناء، وبالكاد تحاول جاهدة مسايرة هذا الوضع وأداء واجبات مضاعفة ومتعددة لسعادة أسرتها، خصوصاً أنَّ تربية الأبناء والانفاق عليهم لم تعد مهمة سهلة من الممكن أن تحملها الأم لوحدها وتنجح في أدائها. نظرات المحيطين وقالت "نسرين خالد": "منذ أن انتهى زوجي من بناء بيت العمر وتحسّنت أوضاعنا المالية بعد ذلك وهو يلمح بهذه الرغبة التي جعلتني أعيش أسيرة لكثير من المخاوف"، مُضيفةً أنَّها لن تستطيع منعه أو الوقوف في وجهه، بيد أنَّها لن تكون قادرة على تحمل وجود زوجة أخرى تشاركها مشاعره وجيبه، خصوصاً أنَّها هي من صبرت على أحواله المالية الصعبة وتحمّلت إفرازات حالته النفسية الصعبة أثناء مراحل بناء بيت العمر. وأضافت أنَّ مسألة الزواج من ثانية تجعل المرأة في وضع نفسي سيء جداً، مؤكدةً على أنَّ الرجل هو أول من سيخسر محبة أم أبنائه ومكانته لديها، كما سيؤثر ذلك على تربيتها لأبنائها وربَّما علاقتهم بوالدهم، مُضيفةً: "يكفي هنا أنَّ الزوجة ستظل تسأل نفسها في كل حين، ما الذي كان ينقصني؟"، مُشيرةً إلى أنَّ قسوة السؤال هنا لا تعادلها نظرات المحيطين بها وهم يبحثون عن إجابة لهذا السؤال. حبّ التعدّد وبيّنت "مزنة العبدالله" أنَّها كانت تضع يدها على قلبها منذ أن تزوجت، مُضيفةً أنَّ زوجها من أسرة يغلب على أفرادها الذكور حبّ التعدّد، حيث أنَّ جميع أشقائه من المعددين، وبالتالي فإنَّ الفكرة قد تكون في مخيلته، رغم أنَّها تبذل قصارى جهدها في سبيل جعله يستغني عن الفكرة، مُشيرةً إلى أنَّ الفكرة ترسخت في ذهنه، إذ أنَّ أشقاءه يطالبونه بالتعدّد من باب إثبات الرجولة أمامهم وأنَّه قادر على فتح بيتين، الأمر الذي جعله يعيش وسط صراع نفسي، فهو ما بين حياة سعيدة يعيشها وإلحاح من حوله عليه بالتعدّد. وتساءلت: لماذا ينسى بعض الأزواج الكثير من حقوق الزوجة، ويتذكرون هذا الحق الشرعي الذي قد يأتي على الأخضر واليابس في علاقتهما، وينسى في لحظة من صبرت وعاشت معه على الحلوة والمرة؟، ومن ثمّ يريدون أن تتقبل الزوجة هذا الواقع المرير، رغم علمهم أنَّه فوق طاقة المرأة، مُشيرةً إلى أنَّ المرأة تعيش بين نار الغيرة ونظرات من حولها واتهام بعضهم لها بالتقصير في حق الزوج. إحساس قاتل وأشارت "أم عاصم" إلى أنَّ طبيعة المرأة لا تجعلها ترضي أن يكون في حياة وقلب زوجها امرأة غيرها، فهي لا تقبل بذلك لأنَّه إحساس قاتل بالنسبة لها، خاصةً حينما تتحمَّل الزوجة ظروف الحياة الصعبة مع زوجها، وأنَّها ضحت وتنازلت، وبالتالي تكون مكافأتها أن يتزوج عليها بامرأة ثانية، مؤكدةً على أنَّ خوف وقلق المرأة يزداد كلَّما تقدمت في العمر، في ظل حاجتها للشعور بالوقوف على أرض صلبة، لافتةً إلى أنَّ الاستقرار في حياة الزوجة أمر مهم جداً بالنسبة لها وللأسرة. ولفتت "أم بتال" إلى أنَّ المحبة والمودة التي تظلل حياتها الزوجية تجعلها تخاف من ارتباط زوجها بامرأة أخرى، مُضيفةً أنَّ المرأة حينما توجد المشكلات في حياتها الزوجية بشكل يومي واعتقدت حينها أنَّها تكره زوجها وأنَّها لن تبالي بزواجه من أخرى، وتمنت في الوقت نفسه فراقه اليوم قبل غد، إلاَّ أنَّ هذه المشاعر سرعان ما تذوب، حيث أنَّ زوجها هو من ملك القلب والروح. وأيَّدتها الرأي "أم لؤي"، موضحةً أنَّ مشاعر المرأة في هذا الجانب لا يمكن وصفها بالخوف بقدر ما هو حرص على مستقبل أسرتها ورغبتها في أن تكون الملكة الوحيدة المتربعة على عرش بيتها وقلب زوجها، وبالتالي فإنَّ زواجه من امرأة ثانية يعني أنَّها أنثى غير مكتملة، وهذا شعور قاسٍ عليها. شعور طبيعي وأوضحت "ثناء الغلبي" أنَّ خوف الزوجة من زواج زوجها بثانية شعور طبيعي؛ لأنَّها تخشي أن يهملها أو يهجرها أو يطلقها أو يتغير عليها وعلى أبنائها أو أنَّه قد لا يعدل بينهما أو يتعمد إثارة غيرتها بذكر محاسن الزوجة الثانية أمامها، إلى جانب اتهامه لها ببعض التصرفات ظلماً من أجل تبرير زواجه. ونصحت "أم عبدالرحمن" بنات جنسها بالحذر من الرجل وعدم إعطاء الأمان له، إلى جانب رصد تغيّراته أولاً بأول، ومن ذلك انشغاله المفاجئ عنها أو خروجه الكثير من المنزل أو جلوسه وحيداً، لافتة إلى أنَّ خوف المرأة على زوجها نابع من محبتها ورغبتها الأكيدة بأن تكون هي الوحيدة في حياته. فكرة مستفزّة ورفضت "فاطمة الدقاق" مشاركتنا الرأي، مُشيرةً إلى أنَّ الفكرة مستفزّة جداً، وبالتالي فهي لا تطيق الحديث عنها، مُبيّنةً أنَّها بمثابة الفأل السيئ الذي تخشى أن يتحقق يوماً ما؛ لذا فهي تحاول إبعاد تفكيرها عن هذا الموضوع، خاصةً أنَّ بعض صديقاتها تفاجأن بزواج أزواجهن عليهنَّ مصادفةً، وبالتالي فهي تتمنى ألاَّ تكتشف ذلك يوماً، لافتةً إلى انَّها تُفضِّل حينها أن تكون الزوجة الغبية التي لا تعلم على أن تكون الزوجة الضحية التي يجب عليها أن تظل بجانب أبنائها. وأبدت "أم مهند" استغرابها من طرح الفكرة، مُشيرةً إلى أنَّ الغيرة جزء من تركيبة المرأة، مُبديةً تخوّفها، خاصةً أنَّ الزوج قد لا يعدل بينهما أبداً، وبمجرد زواجه تصبح الزوجة الأولى عبئاً يريد التخلص منه بأساليب متنوعة قد لا يجد الرجل صعوبة في تنفيذها، كما أنَّ المرأة قد لا تحتمل الأمر وتطلب الطلاق وتتشتت الأسرة. وبينت "رغد الصحاف" أنَّ الزوجة العاقلة يجب ألاَّ تخاف من زواج زوجها بامرأة أخرى، لأنَّ الرجل بطبيعته عيونه زايغة، وبالتالي فإنَّ عليها أن تركز على الاهتمام بنفسها وأن تجعل لحبها لنفسها الأولوية، وألاَّ يكون زوجها محور حياتها حتى لا تنتهي إن هو غاب عنها، مضيفةً أنَّ على المرأة ألاَّ تقدم كل مشاعرها لزوجها على طبق من ذهب، لأنَّها بذلك تكون قد وصلت معه إلى آخر المطاف. وأشارت "أم خالد" إلى أنَّ المرأة لا تخاف -عادةً- إذا تزوج زوجها، إلاَّ أنَّها قد تموت من القهر، خاصةً إذا كانت تحبه وتخشي أن يضيع منها، مرجعةً السبب إلى أنَّها لا تريد أن يشاركها أحد في بيتها وزوجها، رافضةً تماماً مبدأ الشراكة في زوجها مهما كلَّف الأمر، مؤكدةً على أنَّ الأمر نابع من غريزة حبّ التملك الموجود في النفس البشرية، لافتةً إلى أنَّ المرأة التي تعتمد على زوجها في توفير مصروفها الشهري هي أكثر خوفاً من غيرها في هذا الجانب، كما أنَّ مخاوف المرأة قد تزداد عندما تتقدم في العمر. مصطلح أنثوي ورأى "د.خالد بن سعود الحليبي" -مدير مركز التنمية الأسرية بالأحساء- أن الأصح قولنا تزوج الزوج زوجة أخرى، ولا نقول تزوج على زوجته، موضحاً أنَّ هذا مصطلح أنثوي وليس بالضرورة أنَّه أراد أن يتزوج عليها، مُشيراً إلى أنَّ مقولة "تزوج عليها" تحمل في طياتها قضية الانتقام والإهانة والتأديب، وأحياناً العقوبة، لأنَّها تشعرها أنَّ الزوج إنَّما أراد بزواجه أن تكون الزوجة الثانية على رأس الأولى، والشرع لم يرد ذلك، حيث يقول الله -سبحانه وتعالى-: "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع". وأشار إلى أنَّ القلق أمر طبيعي لدى المرأة، في ظل خوفها من زواج زوجها؛ لأنَّها ستقاسمها الأيام واهتمام الرجل وحبه وماله، بمعنى اقتسام الحياة كاملة ولكن بالنصف، موضحاً أنَّ مستوى القلق يعود إلى أمرين، أولهما الوعي بالقضية لدى من تتوههم أنَّ لديها نقصاً، ولذلك تزوج زوجها، مُبيّناً أنَّ السباب قد تكون مختلفة عند الرجل، ومن ذلك رغبته في أن يزداد أكثر من طيبات الحياة، أمَّا النوع الثاني من القلق فيعود لمستوى العلاقة مع الزوج، فإذا كانت العلاقة جيدة فمستوى القلق منخفض، بيد أنَّه موجود داخل الزوجة. وأضاف أنَّ توتر الزوجة يزداد أكثر مع تزايد الأسباب، وذلك حين يهدد الزوج بأنَّه سيتزوج بأخرى، وكأنَّه يلوّح بذلك من باب العقاب، ناصحاً الزوج ألاَّ يجعل زوجته تعيش في همّ؛ لأنَّ هذا القلق سيجعلها غير مستقرة نفسياً، وقد تتخذ إجراءات سلبية، كأن تعبث بماله، مؤكداً على أنَّ من حق الزوجة أن تعيش آمنة مستقرة ومرتاحة نفسياً؛ لكي لا ينعكس أثر هذا القلق على أبنائها.