"ما قادرة إتحمّل إنّو بيدافع عن حزب الله وعن النظام السوري. صارت القصة أبعد من إختلاف بالآراء السياسية، صار الموضوع أخلاقي. أثّر كتير على حبّي تجاهو، وكتير صرنا بعاد عن بعض. وقّفنا نحكي سياسة قدّام الأولاد. ناطرة ليكبروا شوي أو ليسقط النظام بسوريا، ومنشوف شو منعمل". هذا ما أخبرته عليا عن حياتها الزوجية. وروت ريما، الطالبة الجامعية، بحسب ما جاء في تحقيق لصحيفة ".NOW" اللبنانية، كيف أنّ كثراً من عائلات تعرفها أو من أقربائها حصلت بينهم مشاكل كبيرة، وصلت حدّ الطلاق، منذ أن بدأ الإنقسام السياسي والطائفي في البلد يظهر الى العلن. "أغلب الزيجات التي أتكلم عنها هي مختلطة مذهبياً. هناك أيضاً من هم من المذهب ذاته، ومنهم من هم خارج طوائفهم، انقسموا داخل المنزل مع الإنقسامات التي شهدها البلد بعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005 بين 14 و8 آذار، وتعمّق انقسامها مع الأحداث المتتالية التي لحقتها". بالنسبة للشيخ عبد العزيز الشافعي، ومن خلال مشاهداته في عمله كقاضي شرع في محكمة بيروت من العام 1999 ولغاية العام 2010، إن "الحدث الذي ترك أثراً ظاهراً على مستوى الطلاق في الزيجات المختلطة مذهبياً، من دون إحصاءات تفصيلية نظراً لصعوبة الحصول على أرقام دقيقة، هو يوم 7 أيار 2008". في هذا اليوم، قرّر "حزب الله" استخدام سلاحه في الداخل إثر صدور قرارين من مجلس الوزراء اللبناني حينها بمصادرة شبكة الإتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص ب"حزب الله" وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي، فاقتحم مسلّحو الحزب وحركة "أمل" و"الحزب السوري القومي الإجتماعي" شوارع بيروت وبعض مناطق جبل لبنان، مروّعين المدنيين الذين سقط منهم قتلى وجرحى، ومعمّقين حدّة الإنقسام المذهبي والطائفي في البلد. "بعد 7 أيار بثلاثة الى أربعة أشهر، شهدنا في المحكمة زيادة ملحوظة بنسبة الطلاق في الزيجات المختلطة مذهبياً. السبب المُعلَن كان وجود مشاكل مع الزوجة وعائلتها حول الحدث، لم يتمكّن الزوج تحملها. هناك أزواج اتفقوا على أن السياسة في البيت ممنوعة وحافظوا على علاقتهم، لكن بعد العام 2008 قلّت نسبة الزواج بين المذهبين المختلفين وإنْ كان إثبات هذا الأمر يحتاج الى دراسة أكاديمية"، تابع الشيخ الشافعي، مشيراً إلى أنه "في طرابلس، خاصة نتيجة لانعكاس الأزمة السورية على المدينة، ارتفعت أيضاً وتيرة الطلاق بين الزيجات المختلطة مذهبياً". وبعد اندلاع الثورة في سوريا في العام 2011، ارتفعت بحسب مشاهدات الشيخ مروان كصك، رئيس قلم محكمة بيروت، نسب الطلاق بين الأزواج "بسبب خلافات مذهبية"، "من بينهم من أمضى في زواجه 20 وحتى 25 عاماً، والآن تذكرّوا أنه هو سنّي وهي شيعية". الجزء الثاني من عمل محكمة بيروت، تابع كصك، بات مع السوريين، إذ إن "نسب الطلاق التي تحصل بينهم لأسباب إجتماعية، كبيرة جداً". "ما يتخطّى نصف عملنا هو مع السوريين". أخبرت سلمى، شابة سورية قدمت الى بيروت منذ حوالي السنتين، إنه "عدا عن الخلافات السياسية داخل العائلات السورية بين موالٍ للنظام السوري ومعارض له، وعن الوضع الاجتماعي والنفسي نتيجة الحرب وعن صعوبة اللجوء وتأثيره على العلاقات الإنسانية، فإن الثورة السورية جعلت الشباب وخاصة الشابات، أجرأ على قول ما يريدون، وعلى التعبير عن مشاعرهم، وعلى التفكير بأنفسهم وبما يناسبهم بمعزل عن رأي العائلة والمجتمع. فمن كان يسكن منهم عند أهله، استطاع أن ينتقل ليعيش في منزل لوحده، ومن كان متردّداً بشأن علاقته العاطفية، أخذ قراراً بالانفصال". أما منال، القادمة من "عائلة لبنانية محافظة" والتي كانت ترفض فكرة الطلاق، انفصلت عن زوجها حديثاً. "الإنقسامات السياسية والمذهبية في لبنان أخرجت كل المكبوت، وأجّجت المشاكل التي كانت موجودة أصلاً في العائلات وبين "الكوبلات"، وأعطت حجّة إجتماعية للإنفصال. هذا ما حصل معي. لم أكن أتصوّر أن أهلي كانوا سيتقبلون فكرة طلاقي لولا حجّة الخلاف السياسي والمذهبي". كل دعوى طلاق في المحكمة هي قصة لوحدها، قال الشيخ كصك، فالقصص التي يشهدها حزينة، خاصة عندما يكون هناك أولاد يدفعون ثمن الخلافات العائلية والمشاكل السياسية وينمون في جوّ من الاحتقان الطائفي.