أثارت لائحة العمالة المنزلية الجديدة حفيظة عديدٍ من الأسر السعودية، حيث رآها البعض نوعاً من الإذلال للأسرة، ورآها آخرون انحيازاً واضحاً للعمالة على حساب صاحب العمل، في حين اعتبرها مسؤولون أحد متطلبات حقوق الإنسان لضمان الحقوق التي نصّت عليها شريعتنا الإسلامية مع مَن يقومون بالخدمة. ويقول تقرير "سبق"، أنه مع قرب شهر رمضان الكريم وتزايد الطلب على الخادمات بشكلٍ لافتٍ، يتساءل البعض عن بنود هذه اللائحة الجديدة في هذا التوقيت ويعتبرها نوعاً من الإجحاف للأسرة السعودية.. فهل ستضطر الأسرة إلى الرضوخ للوائح العمل في ظل الاحتياج الشديد للعمالة مع دخول شهر رمضان، أم سترفض وتتعامل مع مكاتب العمالة بالساعة؟ نتعرّف على ذلك من خلال الآراء التالية: أم جودي، قالت ل "سبق" من الصعب تحديد ساعات العمل للخادمة، فهناك أوقات تضطر المرأة فيها للخادمة، فكيف الحال إذا انتهى وقتها، كما أنني أستقدمها لراحتي وليس لإملاء الشروط عليها، ولها عندي حُسن المعاملة، وقالت: عندي خادمة تأخذ 1500 في الشهر، وأختها تعمل في الكويت بما يعادل 1000 ريال سعودي، دون تحديد ساعات العمل، وتابعت: هناك ارتفاع كبير في سعر الخادمات في السعودية، فكيف ذلك مع كل هذه الاشتراطات من إجازة أسبوعية وتحديد ساعات وسكن مناسب وخلافه؟ وقالت لبنى: استقدمت إحدى العاملات الإثيوبيات، وعندما جاءت لفت نظري وجود كمية كبيرة من أمواس الحلاقة، وعندما سألها زوجي عن سبب وجودها، أجابت بأنها تستخدمها في برد الأظافر، إلا أن الشك تبادر إلى زوجي واضطررت إلى إرجاعها رغم الغرامة التي كلفها المكتب عليّ، قبل أن تقع في جريمة ما، وتساءلت: مَن سيحميني من هذا النوع من الخادمات ويضمن لنا عمالة دون سجل إجرامي. وأضافت: من الجيد حفظ حقوق العمالة لكن الأولى تحقيق الأمان للأسرة السعودية. من جهة أخرى، رأت فاطمة العتيبي، أن لائحة العمل ستقلل من جرائم الخادمات، ولكن ينبغي اختيار العمالة وانتقائها بشكلٍ جيد حتى تضمن الأمان للأسرة، لافتة أن الأسر السعودية مرفهة بطبعها ولا تميل للعنف مع الخادمات، وعلى الرغم من وجود بعض من الحوادث إلا أنها لا تعدو عن كونها حوادث فردية إذا ما قيست بعدد سكان السعودية وتحدث في كثير من الدول، بيد أن الإعلام أسهم في تضخيمها. إحدى الأمهات رأت أن طلب العمالة بالساعة أفضل من الاستقدام في ضوء اللوائح الجديدة، وقالت: منذ رمضان الماضي وأنا أستقدم عمالة نظامية بالساعة، حيث تعد أفضل بكثير من تحمُّل أعباء الاستقدام ولوائح العمل. من جانبه، يقول سالم عابد "لو طلبت العاملة أو السائق المغادرة بعد انتهاء فترة التجربة مباشرة (تسعين يوماً) فسيتحمّل قيمة التذكرة التي لن تزيد على ألفي ريال، لكن مَن يتحمّل تكلفة الاستقدام وتكلفة رسوم الإقامة التي دفعها صاحب العمل التي تصل إلى 20 ألف ريال؟". ويقول عبد العزيز عبد الكريم الجبرين "بقي شيءٌ مهمٌ جداً .. مَن يعوّض صاحب العمل إذا قررت العاملة السفر بعد مدة التجربة وقبل انتهاء مدة العقد المحددة بسنتين". ويقول أبو تركي "في إصدار هذه اللائحة، كل شيء مع العامل .. والمواطن مَن يعوّضه مبلغ الاستقدام 20 ألف ريال في حال رفضت الخادمة العمل وأرادت السفر بعد الأشهر الثلاثة أم تحسبون أن المواطن يغرف المال من البحر وغير محتاج". ويقول ناصر الخالدي من الدمام "أول ما تنتهي المدة التجريبية .. تنتفض (العاملة) حتى ترحل إلى بلدها، وأخسر 20 ألفاً دفعتها للمكتب". ويقترح عبد العزيز سليمان، مبلغ تأمين من العاملة لمنعها من الهروب ويقول "يجب أن يُؤخذ تأمين ب 75 في المائة للمنع من الهروب .. احفظوا حق المواطنين". وطالب بعض المواطنين وزارة العمل بإصدار لائحة مماثلة تحمي المواطنين العاملين بشركات القطاع الخاص، أشبه ما تكون بقانون العمل، وتقول أم ميار "والله وزير العمل مهتم كثير بالعمالة الأجنبية وليه ما يحط قوانين عمل صارمة على الشركات الخاصّة اللي تبهدل عيال البلاد؟"، ويقول محمد الغامدي: "طبّقوا النظام على العاملين في القطاع الخاص، إجازة يوم في الأسبوع وعمل تسع ساعات يومياً ..أنا ما أدري اللي يلوم الشباب على عزوفهم عن العمل في القطاع الخاص، هل جرب (العمل به)؟". منظمات حقوق الإنسان --------------------- وأشاد رئيس جامعة الأعمال والتكنولوجيا وعضو مجلس إدارة منظمة العمل الدولية سابقا دكتور عبد الله دحلان، بقرار المملكة العربية السعودية الخاص بتنظيم عمل العمالة المنزلية، لضمان حقوقها وحقوق صاحب العمل، مؤكداً أنها أحد متطلبات نظام العمل الدولية ومنظمات حقوق الإنسان، وضمن الحقوق التي نصّت عليها شريعتنا الإسلامية بالتعامل مع مَن يقومون بخدمتنا. وقال: كنت قد طالبت بهذا الطلب منذ سنوات طويلة؛ حيث واجهت العملية حملات شرسة من الدول المصدّرة للعمالة؛ نتيجة سوء التعامل مع العمالة المنزلية وعدم إعطائها حقوقها، وعدم توفير الحد الأدنى من حقوقها في الحريات؛ مثل الإجازة الأسبوعية أو السكن اللائق وتأمين الغذاء والعلاج اللازم. ولفت أنه كانت توجّه تهم وشكاوى تجاه معاملات الخادمات المنزلية بمعاملة سخرة واستعباد من بعض المواطنين والمقيمين، مبدياً رأيه في أهم بنود النظام الجديد، وقال: من أهم بنوده ضمان دفع الأجر الشهري في موعده، ومنح العاملة المنزلية أو العامل المنزلي تسع ساعات راحة يومياً، ولفت أن البعض كان يستغل العمالة المنزلية استغلالاً لا يرضاه الشرع ولا المنظمات الحقوقية، حيث كان لا يستمتع العامل براحة أكثر من 4 ساعات، كما أن اللائحة تنظم أيام العمل وتمنح يوم إجازة كحقٍ من حقوق العامل، وهو أمرٌ تتفق عليه جميع أنظمة العمل الدولية، وجميع بنود حقوق الإنسان. زيادة الإنتاجية -------------- وقال دحلان: كنت أتمنى لو أن النظام تضمن فقرة تنص على أن مَن يطلب من العمالة المنزلية العمل يوم الإجازة؛ فعليه دفع يوم الإجازة بعد موافقة العامل أو العاملة، مشيراً إلى بند توفير السكن المناسب، وقال: كنت أتمنى أن تستخدم كلمة السكن اللائق، كما تمنيت أن تنص مادة واضحة وصريحة تحرِّم التحرُّش الجنسي بالعمالة المنزلية، ورأى أن النظام كفل حقوق صاحب العمل ببنود مستوفاة، مبدياً مخاوفه أن يكون هذا النظام حبراً على ورق، ولا يطبق على الواقع، وقال: تطبيقه يحتاج إلى إمكانات كبيرة للمتابعة والإشراف، ويحتاج إلى غرف تفتيش عمل، كما يحتاج إلى ضمان حُسن تطبيقه. وبسؤاله عن تأثير هذا النظام في الأسرة السعودية أجاب: هذا النظام سيساعد الأسرة على إعادة تنظيم أوقاتها بما فيها يوم إجازة العاملة المنزلية، وسيقوّم بعض السلوكيات غير اللائقة وغير الإنسانية في التعامل مع العاملين في المنزل، مؤكداً أن حُسن معاملة العمالة المنزلية وإعطاءهم حقوقهم، سيساعدان على زيادة الإنتاجية، ويضمنان استمراريتها، وعدم هروبها، ويحدّان من العنف تجاه كفلائهم. لائحة الإذلال ------------- من جهتها، اعتبرت الكاتبة والباحثة الاجتماعية لبنى الطحلاوي، اللوائح الحديثة للعمالة المنزلية، بأنها نوعٌ من الإذلال للأسرة السعودية، وقالت القائمة التي جاءت بها "العمل" لا تراعي الأسرة السعودية، وقالت: هل من المنطق أن تأتي الأسرة بعمالة منزلية تتفوق على ربة المنزل في الحقوق، مشيرةً إلى أن تحديد ساعات العمل غير موجود في الدول العربية المجاورة، كما أنه غير عادل لأن الخادمة تستطيع أن تضيع الوقت بكل سهولة. ورأت أن العمالة ستستغل التنظيمات بشكل سلبي يضر بالأسرة، وتساءلت لماذا تضع "العمل" شروطاً تراعي فيها العمالة المنزلية دون الأسرة؟ وأنحت باللائمة على الإعلام الذي أسهم في تضخيم حوادث الخادمات؛ ما رفع أسعارهن، مؤكدةً أن الشعب السعودي ليس مجرماً أو عنيفاً وليس من سماته العنف، بيد أن طمع وجشع المكاتب وإخلالها بالشروط كان سبباً في أغلب الحوادث. وعادت وتساءلت مَن المسؤول عن وجود خادمات داخل السعودية عليهم أحكامٌ في بلادهم؟ وقالت: قبل أن تضع شروطاً لإهانة الأسرة، لا بد من توفير العمالة والتقصّي وراء الخادمة وتاريخها، فمن حق الأسرة أن تكون واثقةً أن العمالة ليس لها سوابق إجرامية، وقالت: المطلوب تحقيق الأمان لصاحب العمل قبل إملاء الشروط عليه. ورأت الباحثة الاجتماعية أن كل الشروط مبالغ فيها بشكلٍ كبير، مشيرة إلى أن هناك موجة تشويه للمجتمع أسهمت في طمع الخادمات، وشروط "العمل" ساعدت على ذلك. وبسؤالها عن مدى تقبُّل الأسرة، وخاصة مع دخول شهر رمضان الفضيل، أجابت: من الصعب أن تقبل الأسرة مثل هذه اللوائح، بيد أنها ستضطر أن تأتي بعمالة بالساعة في الشهر الفضيل، رافضةً تماماً لائحة الإذلال - على حد قولها. الصورة ضبابية ------------------ من جانبه، أكد الأكاديمي والإعلامي عبد الله الجميلي، أن هذا النظام حاول أن يرتب العلاقة بين العامل المنزلي وصاحب العمل، لكن ما يظهر من القراءة الأولية له (وقد تكون هناك نصوصٌ تفسيرية) أنه انحاز بشكلٍ واضحٍ وفاضحٍ للعامل، وربما هذا تحت ضغط الدول التي تنتمي إليها العمالة، مبدياً تعاطفه مع العامل، وقال: العامل بشر يجب أن يُعامَل بإنسانية، وتكون هناك قوانين تحفظ حقوقه الأخلاقية والمادية، وتضمن استمرار رواتبه وتحميه من بطش بعض الأسر المستبدة القاسية، بيد أن هناك حقوقاً أيضاً لصاحب العمل، ومنها لو أن العامل هرب بعد التجربة؛ فمَن يضمن حقوق الكفيل وما دفعه من مصروفات على الاستقدام ورواتب خلال مدة التجربة؟ وأبدى ملاحظته على اللائحة، وقال: هناك غياب اللوائح التي تنظم العلاقة بين صاحب العمل ومكتب الاستقدام؛ فالصورة ضبابية؛ بل لا أثر هنا لتلك المكاتب وهي تقبض عشرات الآلاف ثمناً للاستقدام، وقال: حتى سفر الخادمة الهاربة يكون على حساب الدول؛ متسائلاً: هل مَن شارك في صياغة هذا النظام هم أرباب مكاتب الاستقدام فقط؛ فأبعدوا كل ما من شأنه أن يتعارض مع مصالحهم؟ وقال الجميلي: إن بعض المواد في هذه اللائحة جيدة؛ لكن ما أخشاه أن تكون حبراً على ورق، فنحن لا تنقصنا اللوائح والأنظمة؛ ولكن ينقصنا التطبيق الفعلي والجاد دون تجاهل أو "واسطة ومحسوبيات"، ورأى أن وجود العاملات المنزليات في أحضان الأسر السعودية أغلبه وجاهة اجتماعية، وحب للمظاهر. وأنهي حديثه بدعوة المرأة السعودية إلى العودة إلى بيتها، ورعاية شؤون أسرتها بنفسها تجنباً لمشكلات العاملات المنزليات التي وصلت إلى محطة قتل الأطفال، متمنياً أن تتقاضى راتباً على ذلك "حتى نرتاح وترتاح".