كانت لطمة قوية تلك التي وجهتها المملكة العربية السعودية لمجلس الأمن الدولي، وللدول الخمس الكبرى، عندما عبرت عن غضبها إزاء بعض القرارات السياسية على مستوى جديد للغاية، فقد رفضت الموافقة على الحصول على العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، رغم إنها حاولت جاهدة الحصول على هذه العضوية لمدة سنتين. وقد عللت السعودية سبب اعتذارها عن قبول منصب العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، بعجز المجلس عن حل الصراع العربي الإسرائيلي، الذي ما زال مستمرًا منذ 65 عامًا، وبالسماح للنظام السوري بقتل وحرق أبناء شعبه من خلال استخدامه للأسلحة الكيماوية، دون اتخاذ أية عقوبات رادعة. ولم تكن الخطوة السعودية منفصلة عما يدور في صدور ونفوس مئات الآلاف وربما الملايين من المسئولين والمثقفين والدارسين للقانون الدولي والمنظمات الدولية في جميع أنحاء العالم، حيث كثرت الكتابات عن ضرورة إصلاح مجلس الأمن الدولي، على خلفية عدم تمكنه من حل الكثير من القضايا الدولية، ولأنه لم يعد مترجمًا لما شهده العالم في العقود الأخيرة من تطورات. فمنذ إنشاء الأممالمتحدة 1945م، تم منح الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض، وهذه الدول هي الولاياتالمتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، وهي الدول التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الثانية، وقد تم الاتفاق على هذا المبدأ في مؤتمر يالطا في فبراير - شباط 1945م. والأمر المثير للضيق والغيظ هو أن اختيار الأعضاء غير الدائمين يتم من جانب الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس، وتتم الموافقة على العضوية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومنذ عام التأسيس وهناك تبرم من حق النقض، الذي يدافع عن مصالح دول بعينها ويهدر في الوقت نفسه مصالح أكثرية أقل قوة، ولكن الجبروت والرغبة في الاستئثار بالقرار السياسي الدولي، والرغبة في الاحتكار، وفي السيطرة على الدول الصغر والأضعف، جعل الدول الكبرى صاحبة هذا الحق المطعون عليه ترفض التنازل عنه. وعليه، فقد رمت السعودية بحجر في ماء آسن، وينبغي المضي قدمًا في تطوير الخطوة السعودية وفي حشد أكثرية دولية رافضة لهذا الوضع، ولن يكون هذا الحشد صعبًا، وستتضامن معها من حيث المبدأ قوى كثيرة وكبيرة مثل البرازيل وجنوب أفريقيا ومصر وتركيا والهند واليابان وألمانيا وإندونيسيا، وربما يتغير المشهد لما هو أفضل ويكون الحشد أكبر وأضخم والصوت أعلى وأقوى، ويومها سيكون هناك ضغط سياسي ودبلوماسي وإعلامي قوي وعنيف على الدول دائمة العضوية وصاحبة حق النقض، وهذا هو المدخل لتغيير الأوضاع المختلة في مجلس الأمن. إن السعودية دولة قائدة في العالم العربي والعالم الثالث، وقد خبرت التقصير الدولي الشديد في غالبية القضايا العربية والإسلامية، وبصفة خاصة القضية الفلسطينية ثم الأزمة السورية المستمرة منذ قرابة ثلاث سنوات. القضية الفلسطينية التي فشلت الأممالمتحدة ومجلس الأمن في تسويتها منذ 65 عامًا، أثبتت الضعف الكبير لمجلس الأمن، وأكدت للعالم الانحياز السافر من أغلبية الدول دائمة العضوية إلى الطرف الصهيوني واستخفافهم بالحقوق العربية الفلسطينية، وقد عملت هذه السياسة المهادنة والمنحازة للطرف الصهيوني على تقوية الكيان الصهيوني ومساندته في الإفلات من أي عقاب، لذلك فقد أصبح بنو صهيون لا يكترثون بالمنظمات الدولية ولا بمجلس الأمن، لأنهم يقال لهم في الخفاء إننا نساعدكم فافعلوا ما ترون. ولا عجب في ذلك، فكل الدول صاحبة حق الفيتو، باستثناء الصين، دول استعمارية مارست الاستعمار والاحتلال واغتصاب الدول والحقوق والسيطرة على ثرواتها ومقدراتها، ولذلك فهي تساند دولة الاحتلال الصهيوني وتدعمها، باعتبار الاشتراك في الخصائص والصفات والخلفية الاستعمارية. أما في الأزمة السورية، فقد عانت السعودية من تعنت الولاياتالمتحدة ومجلس الأمن في العمل على تشجيع رئيس النظام السوري في قتل شعبه وفي تدمير مقدراته وهدم مدنه وقراه وبنيته الأساسية. فقد كان الموقف السعودي قويًا في رفض سلوك النظام السوري ومطالبًا بمساندة الثورة السورية وفي تنحية المجنون البعثي، لكنها فوجئت بالموقف الروسي والصيني في مجلس الأمن، ثم فوجئت بميوعة الموقف الغربي وانتهازيته، وهكذا دفع السوريون ثمن التقصير الدولي وضعف مجلس الأمن غاليًا. لقد كانت الأزمات الكبرى على الدوام مغيرًا أساسيًا لتوازنات السياسات الدولية، منذ عصور الإمبراطوريات القديمة وإلى اليوم، ذلك أن تلك الأزمات تكشف الخلل القائم وتجبر الجميع على اقتراح طرائق جديدة واتخاذ قرارات حاسمة لضمان مصالح الأطراف وضمان استمرار التوازنات الدولية. وهكذا فإن الموقف السعودي خطوة كبيرة وجيدة في اتجاه تغيير التوازنات الدولية التي أنتجت تربيطات انتهازية تضيع نتيجتها الحقوق، وإذا كانت البدايات الأولى عادة تكون صغيرة وضعيفة، إلا إن الموقف السعودي لم يكن صغيرًا ولا ضعيفًا، وإنما كان موقفًا كبيرًا، بشرط أن ينميه ويطوره العرب، ولا يجعلوه موقفًا سعوديًا فقط، ولا يقفوا يتفرجون على الموقف السعودي. وإذا كان الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي قد أعلن دعمه رفض السعودية تسلم مقعدها في مجلس الأمن، متهما المجلس بأنه لم يتحمل يوما مسؤولياته تجاه الدول العربية، وتأكيده أن السعودية كانت محقة في الاعتراض على طريقة عمل مجلس الأمن لكونه لم يتحمل يوما مسؤولياته في حفظ السلام والأمن الدوليين، وإذا كان الأمين العام للجامعة العربية قد أعرب عن أمله في أن يؤدي هذا القرار إلى الإسراع في الإصلاحات الموعودة في المنظمة، فإن الإصلاحات التي يرجوها لن تتم بالأماني والكلمات، إنما لابد أن يكون للجامعة العربية موقفًا عمليًا ضاغطًا، وأن تتوالى ورش العمل والندوات والمؤتمرات واللقاءات الدبلوماسية والسياسية والإعلامية، الدولية، من أجل الضغط لتحقيق هذه الأمنية. وإذا كانت الدول العربية في الأممالمتحدة قد دعت الرياض إلى العدول عن قرارها والقبول بتولي مقعد في مجلس الأمن الدولي، بهدف الدفاع عن المصالح العربية في هذه المرحلة المهمة والتاريخية، خصوصًا في الشرق الأوسط، فإن مؤازرة الموقف السعودي الرافض هو الأفضل والأكثر منطقية، على أمل أن يتم توسيع قاعدة الدول دائمة العضوية وتدخل فيها دولة عربية وأخرى إسلامية، وعندها يمكن خدمة المصالح العربية الإسلامية بشكل أفضل. المتابع للشأن الدولي يتأكد من خلال ردود الفعل العالمية، أن هناك محاولة دولية سواء داخل الأممالمتحدة أو بين القوى الكبرى، لاحتواء القرار السعودي، وأن يظل التوجه السعودي فرديًا غير مدعوم من أطراف ودول أخرى، وطبعًا فإن الدول الكبرى ستخوض معركة شرسة للدفاع عن مكتسباتها، لكن المأمول هو أن عددًا كبيرًا من الدول يرفض أن يكون مجلس الأمن الدولي أداة طيعة في يد القوى الكبرى لتمرير مصالحها والحفاظ عليها وعدم الاعتداد بمصالح الدول الصغرى.