خالد عبدالله المشوح مجلة الخليج ليس من قبيل المبالغة القول إن هذه السنوات التي نعيشها من العقد الثاني من الألفية الثانية هي أكثر السنوات إثارة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ووعد بلفور واحتلال فلسطين، هذا الكلام مؤكد على أقل تقدير في منطقة الشرق الأوسط حيث تغيرت موازين القوى وتم الزج بلاعبين جدد في المنطقة فالثورات أو ما يعرف بالربيع العربي وما أحدثته من زلزال سياسي في المنطقة لا يمكن تجاهله وتجاهل تبعاته الحالية واللاحقة على المستويات كافة. العقيدة القتالية والإستراتيجية العسكرية بدأت تتغير بل تغيرت بالفعل في عدد من الجيوش العربية النظامية فتحولت بوصلة الأولويات مع صعود الميليشيات المسلحة التي تستنزف مواجهتها قدرات الدول وأدت بالفعل إلى حالة من الانهاك بداية من العراق عقب الاحتلال الأمريكي ومرورا بسوريا التي تواجه وضعا بالغ التعقيد وليس انتهاء عند اليمن التي تعاني الأمرين، وحتى مصر انشغل الجيش بالسياسة والأوضاع الداخلية وأصبح له دور في مكافحة الإرهاب للمرة الأولى. موازين القوى العسكرية بالتالي تغيرت وأصبحت الأزمات الداخلية ومعارك الإرهاب والتطرف هي الشاغل الأساسي والرئيس من جهة وصمام أمان لدولة إسرائيل عن طريق عكس البوصلة. ونتيجة هذه الصراعات حاولت بعض دول الجوار انتهاز الوقت لتحقيق مكاسب إقليمية فحاولت إيران تغليف أطماعها التوسعية وأجندتها الطائفية بستار الربيع العربي في البحرين وهو ما فشلت فيه فشلاً ذريعا، فتسللت عبر نوافذ الطائفية في سوريا واليمن مستغلة الأوضاع الراهنة لتفرض أجندتها بشكل علني على المشهد الراهن وتصبح لاعباً أساسياً في الخارطة السياسية في كلا البلدين، ناهيك عن العراق الذي سُلم لإيران على طبق من ذهب، ولم تعد المطامع الفارسية خافية في الرغبة في التوسع من خلال البوابة الجنوبية وفرض النفوذ على باب المندب واستغلال الفساد السياسي في اليمن في تمكين حكم الاقلية بدعم روسي واضح ودعم غربي خفي. وعلى صعيد القوى العربية تغيرت أيضا الحسابات مع صعود لاعبين جدد في المشهد سواء في المشرق أو المغرب وتوارى آخرون. وبحسب دراسة حديثة نشرها معهد بروكينجر الأمريكي بعنوان: "إسرائيل والشرق الأوسط المتغير"، أشارت الدراسة الى اربعة محاور اقليمية رئيسة في المنطقة: 1- إيران وتابعوها، وهم النظام العراقي، ونظام بشار الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان. 2- تركيا وقطر، والفاعلون من غير الدول مثل جماعة الإخوان المسلمين، و"حماس" في قطاع غزة. 3- الدول المعتدلة والمحافظة، وتشمل دول الخليج ، ومصر تحت رئاسة عبدالفتاح السيسي، والأردن، والمغرب، والجزائر. 4- محور التنظيمات الجهادية، والمكون من "داعش"، وتنظيم "القاعدة"، والجماعات التابعة لها في جميع أنحاء المنطقة. ولعل من الملامح الإيجابية في ظل هذا الطوفان الكبير من المتغيرات التاريخية التي نمر بها هو قدرة المملكة العربية السعودية على قيادة تحالف عسكري عربي إسلامي لمواجهة المخاطر والتحديات والأطماع الإقليمية المشتركة ضم جنبا إلى جنب بعض الأطراف المتنافرة تحت غطاء واحد هو عاصفة الحزم وهو ما يمكن التأسيس عليه في الوصول لتحالف استراتيجي يعيد توازنات المنطقة ويقطع الطريق على تنظيمات العنف التي تعيش وتتعايش على الأزمات والفوضى. البعد السياسي والروحي للملكة العربية السعودية جعل عملية التحالف مقلقة لدول متعددة ترى فيه قدرة سعودية على العمل السياسي والعسكري والدبلوماسي، والاهم من ذلك كله ان نجاح هذا التحالف في مهمته سيعيد للشرق الاوسط استقرارة بالاضافة الى تغير كبير في موازين القوى الاقليمية ورما يعنى عودة الاستقرار ومن ثم النهضة في المنطقة. التوتر الطائفي في المنطقة والمدعوم من إيران لم يشهد له مثيل منذ قرون وهذا مؤشر واضح لدولة مثل ايران ومحور رئيسي في الشرق الاوسط ان تسعى بكل ماتملك الى تصدير وزرع التوتر في دول الجوار لان ذلك ببساطة يعطيها استقرار اكبر واستمرارية واللعب على الاقليات وزرع الفتن. لكن من الواضح ان الوضع في المنطقة لن يستمر ساخنا أكثر من ذلك فإما الانفجار او سيطرة التحالف.