الاقتصادية - السعودية يقول مخترع المصباح الكهربائي العالم الأمريكي توماس أديسون "الاستياء هو الضرورة الأولى للتقدم"، وعليه فإن إبداء الاستياء والتحذير من خطر تطاول كثير من الشركات السعودية في عمليات غسل الأدمغة بطريقة خضراء أو ما يسمى ب "الغسل الأخضر" في عرف المسؤولية الاجتماعية للشركات بات أمرا حتميا. ولتوضيح مفردات المصطلح لغير المختصين، فإن "الغسل الأخضر" هو الوجه الآخر لمصطلح "التبييض"، ولكن هنا في إطار بيئي. حيث تدعي شركات تبنيها ممارسات بيئية أو تقديمها خدمات أو منتجات غير ضارة بالبيئة، وتصرِف الملايين على الإعلانات والتسويق على أنها منشآت خضراء أو صديقة للبيئة، في حين إنها في حقيقة عملها لا تصنع أي شيء جيد تجاه البيئة! "الغسل الأخضر" موجود على نطاق واسع عالميا في جميع القطاعات وفي عدة أشكال، ابتداء من ادعاء أن المنتج مصنّع من مواد معاد تدويرها، في حين تمثل هذه المواد 5 في المائة من مجمل المنتج أو أقل أو لا يوجد إثبات على ذلك، أو ادعاء بعض الشركات أن أغلفة منتجاتها صديقة للبيئة، في حين إنها تتجاهل اتخاذ أي حل لتقليل التأثيرات البيئية لتصنيعها! وللأسف إن ممارسة الشركات "غسل العقول" بالترويج لنفسها كشركات خضراء آخذة في الانتشار بشكل كبير، فعلى سبيل المثال: إطلاق بعض الشركات حملات إعلانية تدعي تطبيقها ممارسات بيئية، وهي في الحقيقة لا تزال تسرف في استهلاك الورق لأغراض إعلانية وترويج، أو مشاركة الشركة في ساعة الأرض، في حين إنها لا تبذل مزيدا من الجهود للتقليل من استهلاك الكهرباء والماء، أو التقليل من المخلفات طوال العام. ولو تبنت تلك المنشآت جوهر الاستدامة لاكترثت قليلا لخطر تأثيرها في البيئة وأسهمت في تخفيض استهلاك الورق أو تقليل انبعاث ثاني أكسيد الكربون، أو استثمرت في الدراسات والأبحاث التطويرية لمنتجات أو خدمات صديقة للبيئة، وغيرها من الممارسات التي تتواءم وطبيعة أعمال المنشأة، محققة تأثيرا مستداما، أطول من التأثير المؤقت للإعلانات التضليلية. في رأيي إن مخاطر الغسل الأخضر لا تتوقف على التضليل من أجل اكتساب سمعة حسنة، بل تذهب إلى أبعد من ذلك، لأنها تشجع الشركات الأخرى على انتهاج الأسلوب ذاته دون أن تفعل شيئا حقيقيا من أجل البيئة، وبالتالي تراكم الادعاءات الخضراء مقابل بقاء السعودية تحت الأرقام المرتفعة لنسب التلوث البيئي وفاتورة استهلاك المياه ومصادر الطاقة! وكل يوم يكبر السؤال: من يوقف هذه الممارسات السلبية؟ حقيقة أقول ومن واقع مهني؛ لن تمتنع الشركات عن قطف ثمار "الغسل الأخضر" الأقرب لمتناول اليد، دون أن تبدأ الجهات الرقابية المعنية ومؤسسات المجتمع المدني، ذات العلاقة، التحرك لرصد ممارسات الغسل الأخضر، ومطالبة الشركات بتقديم شهادات معتمدة عالميا، إضافة إلى أن الإعلام يلعب دورا كبيرا في إخماد مثل هذه الممارسات التضليلية، باعتباره اللاعب الأكبر في دائرة التأثير من خلال المراقبة ومتابعة البرامج البيئية للشركات، وإعطاء كل ذي حق حقه، في ظل وجود بعض البرامج المحدودة لشركات تحاول السير فعليا في طريق "الاستدامة".