د. محمد بن سعود المسعود الاقتصادية - السعودية رأي السفه من العالم يحتاج إلى عاقل رحيم يستره ويعتذر عنه، أكثر من حاجته إلى جاهل يبرره ويدافع عنه، وما من عالم إلا وهو فقير لمن يستر الجهل فيه، والضعف منه. (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) العلم كالمطر تماما كثير في الجمع (المعرفة البشرية المتراكمة)، قليل في الفرد. الإنسان في عمره القصير وتخصصه وفيما يدرك ويحيط، بقدر محدود لا يتعداه. منقطع عن الزيادة بحلول الضعف بعد القوة فيه، وحلول الشيبة، ونزول الوعي إلى أول نقطة الصفر، التنكيس، الارتداد إلى أول الدائرة (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون). مع ازدحام الألقاب، واسطفافها قبل الأسماء، يبتلى البعض بالذعر من التمحيص، والفرز، والتفريق بين ما ينبغي الستر عليه، وما هو خليق بالقبول والرضا عنه. قديما تجد من يفتي بجواز أكل الأسير في إطار الاختلاف الديني، وستجد من يجيز رضاع البالغ الراشد. إن الفتاوى المخجلة، رواحل تنتقل من جيل إلى جيل، وتحط رحالها في كتب وعقول وعلى ألسنة عقل يفترض صحة «أرضعيه حتى يدخل عليك»، عقل يفترض أن كتابا يصدر من إنسان هو غير قابل للجرح والتعديل، لم يسلم من هذا الوباء أحد، ولم تنج منه طائفة من طوائف المسلمين ولا مرحلة من مراحل التاريخ. وقد ساعد على شياع هذا الجهل الذي يجب أن يستره العقلاء على أصحابه، المناكفات المذهبية، في الماضي والحاضر، حيث يتربص كل فريق بهذا الكم المروع من المرذول الساقط، وهذا الحجم من التردي في الفهم، ثم التيار العريض من المبشرين والملحدين. وبحجم تقديس الكتب، وعصمة الأسماء، يكون الضرر أعظم، والانسحاب من جهلهم أصعب، وفي كثير منها يتسع الخرق على الراقع، لأننا مسبقا قد افترضنا الكمال لعمل بشري طبيعته النقص، ونسبنا إليهم ما لا يستحقونه من صفات، ثم اعتبرنا كلامهم جزءا مكملا للنص الديني. مع العلم أن المعرفة البشرية تراكمية، وأن الزمن يبدل العقول بعقول أوسع إدراكا، وأبعد بصيرة، وأن الفهم هو مقيد بظرفه، في المكان والزمان. إن المتحرك في الفقه في صيرورة الناس والوعي، الفقه محض اجتهاد من إنسان ضعيف عاجز وصفه الله بأنه لا ينال من العلم إلا قليلا، وإن استطال فيه، وإن غرف منه ما غرف، ورسب في غوره بما يحتمله ويتسع عمره وعقله له. ومن هذا التراكم، ظهر تيار ردة، يستدل بكل هذا الجهل الذي أبقاه التعصب للأشخاص وللمذاهب، والذي حافظ عليه الصراع المذهبي الذي شكل رافدا عظيما للقبض على المخازي والعيوب لكل فرقة من فرق المسلمين يرفد أعداءهم وخصومهم عقيدة وفكرا.. بعض الفقهاء هو كبير جدا بلحاظ زمانه، وفي إطار ما هو متاح له، وما يبلغ إليه علمه، ويناله عقل زمانه. لا نقص فيه، ولكن النقص في كل الذين يسقطون القداسة عليه بأكثر مما يستحق، ثم يقعون ضحايا لهذا التقديس المنفعل عند انكشاف ذاك الجهل غير المستور منه، وذاك الضعف الفاضح في عقله أو المحدود بأفق زمانه ومكانه، وحسب معتقدهم فإنه من يسلم من «داعش» وأخواتها سقط في الردة وأخواتها. نحن نصنع هذا الواقع الذي أصبحنا جميعا ضحايا له بسبب عدم إقرارنا المبكر بأن لكل عالم جهل عريض يحتاج إلى رحيم يستره عليه، ويطويه عنه. ويظل كتاب الله الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ويهدي إلى صراط مستقيم.