أحمد بن راشد بن سعيّد العرب القطرية معركة القلمون فصل آخر من فصول الثورة السورية؛ أو محاولة عبثية عدمية أخرى للقضاء على الثورة، وصد حركة التاريخ. منذ اختار السفاح بشار الأسد وحلفاؤه الفرس والروس الإبادة وسيلة للتعامل مع الثورة لم يتراجعوا، وأمعنوا فيها بغباء عجيب، وكأنهم لا يعلمون أن الثورات الشعبية الجارفة والشاملة تشبه أمواج تسونامي التي لا تستطيع أي قوة منعها من الانقضاض على السواحل. ولعل أكثر فصول المشهد السوري إثارة للتأمل والدهشة، تورط ما يُسمى «حزب الله» اللبناني (حالش) في قتل الشعب السوري الثائر. في البدء، حاولت دعاية الحزب وضع عدوانه السافر في إطارين جوهريين زائفين: حماية «المراقد الشيعية» كمرقد زينب في دمشق (زعم نصر الله أن «جماعات تكفيرية» توجد على بعد «مئات الأمتار» من المرقد المزعوم)، وحماية لبنان واللبنانيين من تداعيات المعارك؛ بدءاً بالدفاع عن قرى حدودية، ثم الدفاع عن لبنانيين في ريف القُصير بحمص بحسب نصر الله: «لن نترك اللبنانيين في ريف القصير عرضة لاعتداءات الجماعات المسلحة». وطال أمد الصراع، وتورط نصر الله في مزيد من الدعاية المفضوحة؛ لأنه كان بحاجة دائماً بحاجة إلى تبرير الزج بمواطنين لبنانيين في أتون الحرب، فالحكومة اللبنانية (التي لا تملك من أمرها شيئاً) إلى تفسيرات ما للتدخل تبقي لها ماءً في الوجه، وشيعته من أهالي «المقاومين» يحتاجون إلى «تعبئة طائفية» مستمرة؛ لإشعارهم بأنهم يقدّمون فلذات أكبادهم فداءً للحسين؛ مع أنه لا يوجد «يزيد» في سوريا لكي ينتفض ضده الحسين المظلوم، ولكن توجد ألف كربلاء وكربلاء تُصنع كل يوم لسوريين أبرياء يقتلهم طائفيون همج عبروا الحدود معتدين على مدنهم وقراهم. يضطر نصر الله أحياناً إلى الانتقال من دعاية المراقد وتهديد اللبنانيين، إلى دعايته المفضلة: المقاومة. الأسد، «رأس الحربة» في محور «الممانعة» و «المقاومة» لما يسميه «العدو الصهيوني»، ومن ثم، فلا بد من التشبث به ولو فنيَ أهل الشام عن بكرة أبيهم. ولكي تكتمل الرواية، فلا بد من الاستمرار في صك نعوت التشويه المختزلة القصيرة للثوار مثل «الجماعات المسلحة»، «العصابات الإرهابية»، «التكفيريين»، «الوهابيين»، ولا بد من ربطهم باستمرار بقوى خارجية كأميركا وإسرائيل، ثم تركيا والسعودية وقطر. ولا ينتهي مسلسل الدعاية، لكنه يصبح، مع تتابع الفصول، متهافتاً ومثيراً للسخرية، فكلما أوغل الحزب في سفك دماء السوريين، وكلما زاد تدفق توابيت «شبّيحته» على الضاحية الجنوبية، أوغل في مزيد من الكذب الذي لا يشتريه أحد. بيد أن دعاية «المقاومة» تعطي الحزب «تفويضاً مفتوحاً» للالتحام مع عصابة الأسد حتى الرمق الأخير. اتسع الخرق على الراقع، ووقع نصر الله في حَيْصَ بَيْص، فتحدّث في 6 نيسان (أبريل) الماضي حديث المهزوم: «خسارة سوريا هي خسارة للبنان وفلسطين والمنطقة» (يقصد خسارة الولي الفقيه نفوذه في المنطقة بأسرها)، و «حيث يجب أن نكون (في سوريا) سنكون»، فمعركة القلمون «حاجة سورية لبنانية مشتركة؛ لأن «الجماعات المسلحة في القلمون بلغت مرحلة صارت تهدد فيها التواصل بين دمشق وحمص والساحل». يخشى نصر الله فقدان القلمون؛ لأن ذلك سيعني سيطرة الثوار على كل الممرات والإمدادات بين سورياولبنان؛ وهو ما يعني عزل الحزب عن الحرب. في 5 أيار (مايو) الجاري، شاهدت «سيّد المقاومة» على شاشة التلفزيون وهو يحاول عبثاً تبرير عدوانه على القلمون: إن تهديد «الجماعات المسلحة» في سوريا للأرض اللبنانية ليس افتراضاً؛ بل هو «عدوان فعلي ومحقق وقائم في كل ساعة من خلال احتلال أراضٍ لبنانية واسعة...(واستمرار) الاعتداء على الجيش اللبناني...(و) على المواطنين في عرسال، واستمرار احتجاز الجنود اللبنانيين»، مضيفاً أن «الدولة غير قادرة على معالجة هذا الأمر، ولو كانت قادرة لفعلت»، زاعماً أن قيام حزبه بذلك «تكليف إنساني وأخلاقي ووطني وديني». وهكذا، لا يجد نصر الله إلا الكذب سبيلاً للدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه؛ لا يجد إلا اختلاق ذرائع ساقطة لا تجوز على أحد ليبرر أجندته الطائفية التي تدفعه إلى قتل السوريين؛ فما لا يحلّه الكذب، يحلّه المزيد من الكذب. ولا يحتاج المرء إلى معرفة دقيقة بلغة الجسد، ليرى في تعبيرات وجه «السيد» كل ذلك المزيج من النفاق والاضطراب والتلعثم والشعور بالاختناق وحتمية الخسارة. لا عقل ولا حكمة وراء الانغماس في الدم السوري. لم تكن الطائفة الشيعية مهددة يوماً، ولم تتعرض حتى للتمييز، فكيف قذفها نصر الله وأسياده في طهران في معركة مستحيلة وباهظة الثمن؟ لا شيء غير الأحقاد الطائفية والثارات الأسطورية التي يغيب فيها العقل، ويحضر فيها القتل، والقتل، والقتل. يسقط المزيد من أعضاء الحزب الشيعي الإرهابي في القلمون، ويتظاهر نصر الله بالثبات، زاعماً أن «الخسائر التي تكبدها (الحزب) في سوريا كانت متوقعة، وما يقال في وسائل الإعلام غير دقيق ومضخم». لكن الكبْر لا يحجب الحقيقة، فقبل بضعة أيام فقط، تمكّن جيش الفتح في القلمون (جيش يضم ائتلافاً من فصائل الثورة) من قتل قادة ميدانيين للحزب، منهم علي عليان، توفيق النجار، حسن عدنان عاصي، مروان مغنية، حمزة زعيتر، وحسين لويس. ومازال الحزب ينعي مزيداً من عناصره: عباس وهبي، هشام كركي، محمد رضا زراقط، محمد باسل بسما، وعباس حسين ياسين، هم فقط أبرز الأسماء في الأيام الماضية. والنزيف كبير؛ إذ أعلن جيش الفتح في القلمون على حسابه في تويتر ( 8أيار/مايو) قتل 60 وجرح عشرات من الحزب (ومن والاه). وفي يوم الإثنين الماضي قتل الجيش 18 من أفراد (حالش)، وأسَر 3، ولكن نصر الله يزعم أن ثمة مبالغة في رقم من يُقتل من ميليشياته، فكل 3 يسقطون، يصبحون 30 في الإعلام السعودي والخليجي، بحسب شكواه. نصر الله ليس في وارد التراجع عن معركة سوريا؛ لأنه يأتمر بأمر الولي الفقيه الذي لم يقرر بعد أن عليه أن يتجرع السم. كما أنه يعلم أنه حتى لو انسحب، فلن يفلت من حساب الشعب السوري ومن ورائه ملايين العرب والمسلمين الذين يتوقون إلى الثأر منه؛ يعلم أن جيش الفتح، وغيره من تشكيلات الثوار، لن تقف إلا في الضاحية الجنوبية، ولن تستطيع قوة في الأرض أن تمنع الضحايا من القصاص. هذا ما جعله يصرّح لجريدة «الأخبار» اللبنانية الشيعية أنه «لن يكون هناك سقوط للرئيس السوري بشار الأسد ونظامه؛ لأن سقوطه يعني سقوط الحزب بالذات، وسقوط محور الممانعة»، مضيفاً أنه لا خيار لحزبه سوى خوض المعركة في سوريا، «ولا تراجع عنها...المعركة هناك طويلة ولن تنتهي» (5 أيار/مايو 2015). هذا القول تأطير جديد وحاسم يُضاف إلى دعاية الحزب عن عدوانه في سوريا، وهو يقطع قول كل مبرر، فإما أن يعيش حسن مع بشار، وإما أن يذهبا معاً إلى النار! من كان يصدق أن يتفكك ما يُسمى «حزب الله» بعد أن حظي بتدريب وتسليح لم تحظ به جيوش وطنية ضاربة؟ من كان يصدق أنه سيموت بعد أن استطاع اختطاف لبنان والتهامه؟ لم تقض عليه إسرائيل، بل تفاهمت معه على لعبة يقتسمان فيها المصالح والنفوذ، ثم ذهب إلى سوريا بعلمها، وكان معروفاً كبيراً أسداه إليها، لكنه ذهب إلى حتفه بظلفه، متهافتاً كالفراش على المحرقة. إنها بركة الشام. يا حالش، احفر قبرك في القلمون. ألا إن حزب الشيطان هم المنتحرون. @LoveLiberty