الاقتصادية - السعودية تتداول وسائل الإعلام هذه الأيام موضوع "هيكلة" شركة أرامكو السعودية، وهو موضوع، على أهميته، قد لا يعني المساس بالتركيبة الأساسية الحالية لأرامكو ولا لإصلاح خلل ما في بنيتها. بل ربما أن القصد من الهيكلة رفع كفاءتها وتأكيد استقلاليتها. ف «أرامكو السعودية» مؤسسة وطنية ناجحة بكل المقاييس، بصرف النظر عن القضايا الفردية التي تتعلق بمنسوبيها أو الآراء التي يعبر بها البعض عن رؤيتهم لكيفية وضع هذه الشركة العملاقة لتؤدي رسالتها على وجه أفضل. فهناك، في نظرنا، ما هو في مستوى الأهمية نفسها ما يتطلب رعاية كريمة مع قدوم هذا العهد الجديد المتفتح، الذي نرجو من الله أن يجعله عهد خير وبركة لمستقبل هذه البلاد. ولن أحيط في هذه العجالة بكل ما يطرأ على البال، ولكنني سوف أتحدث عن عدد محدود من الأمور التي تلفت النظر وهي بحاجة إلى أكثر من هيكلة، بل إلى تغيير جوهري. لدينا اقتصاد يعتمد كليا على مصدر ناضب، وهو النفط. وهناك تضخيم وتعتيم، ربما غير مقصود، حول مستقبل الإنتاج النفطي ودوامه. وهذا أمر خطير عندما يتعلق الأمر بحياة البشر على أرض صحراء يشرب ساكنوها من ماء البحر. لقد أصبح تنويع الدخل من الضرورات التي لا تتحمل التأخير أكثر مما هو حاصل اليوم. صحيح أن المحاولات في مجال التنويع كانت قائمة منذ ما يزيد على أربعين عاما، لكن دون نجاح يذكر. ولكن العقول التي تدير أمورنا اليوم غير التي كانت هناك بالأمس. ونحن من أولاد اليوم. ابحثوا عن الخلل وعن المسببات التي أدت إلى عدم نجاح الخطط السابقة. وستجدون أن الارتفاع الكبير في مستوى الدخل العام، نتيجة للإسراف في الإنتاج النفطي، كان من ضمن الأسباب التي قللت من حماسنا للبحث عن مصادر جديدة ومستديمة للدخل. فالإنتاج النفطي لن يدوم لنا ولا لأجيالنا إلى الأبد، بل العكس تماما، رفع كميات الإنتاج عن أدنى مستوى مطلوب يعجل بنضوب ثروتنا الوحيدة. وصراحة، نحن بحاجة إلى خطط خمسينية وليست خمسية. فيجب أن تكون لنا رؤية تغطي زمن ما بعد نضوب مصدر حياتنا اليوم. والنضوب الذي نعنيه هو الانخفاض التدريجي في الدخل النفطي، بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وتقدم عمر الحقول. عدد سكان البلاد من المواطنين قريب من عشرين مليون نسمة. ولكن الذين يعيشون على اقتصادنا أكثر من خمسة أضعاف هذا العدد. كيف؟ لدينا أكثر من عشرة ملايين مستقدَم. وكل واحد منهم يعيل مجموعة من الأفراد، يصل عدد الجميع عشرات الملايين. ونحن نعلم يقينا أننا لسنا بحاجة إلى 50 في المائة من العمالة الأجنبية التي تعيش بيننا اليوم، لو تدبرنا أمورنا جيدا واستفدنا من طاقات أبنائنا المهدرة. فعلى سبيل المثال، لماذا نستقدم الملايين من أجل أن يمارسوا البيع والشراء لحسابهم الخاص في "الدكاكين" المنتشرة عشوائيا في كل مدينة في بلادنا، أو ما يسمى بتجارة التجزئة؟ فإضافة إلى مكاسبهم المباشرة، هم أيضا يستفيدون من التخفيضات والإعانات التي تقدمها الدولة للمواطن، فينهكون الاقتصاد بترحيلهم رؤوس أموالهم إلى بلدانهم ويزيدون من الضغوط على البنى التحتية. من السهولة بمكان الاستغناء عنهم عن طريق هيكلة هذا القطاع وتحويل تجارة التجزئة إلى شركات مساهمة يكون أساسها وقوامها المواطن، وذلك على مدى عشرة إلى خمسة عشر عاما. وسوف يتغير مظهر شوارعنا إلى منظر حضاري ونتخلص من الزحام المنهك داخل المدن. ومع كثرة المجالات التي هي بحاجة إلى هيكلة، دعونا نختار أبسطها، وهي خدمات محطات البنزين. العمل في المحطات، التي يبلغ عددها الآلاف، منظم وشريف وليس مكلفا ولا يحتاج إلى أي مستوى من التعليم. ومع ذلك فلا تشاهد مواطنا واحدا يعمل فيها. وربما أن من الأسباب تدني الرواتب. فلو كان لنا من الأمر شيء، لأصدرنا قرارا ملزما بتحويل جميع الأيدي العاملة في هذا المجال إلى أبناء الوطن، وبرواتب تتناسب مع مستوى المعيشة. مع ضرورة التأكد من أن المردود المالي على الاستثمار مقبول. والمستثمر الذي لا يقبل بالشروط التي تصب في مصلحة المواطن حر في تصرفه وماله. ولكم أن تتصوروا كم من آلاف الشباب الذين مستواهم التعليمي دون المرحلة الثانوية سوف يجدون عملا شريفا ودخلا محترما. ونحن ندرك أن تفعيل مثل هذه الخطة لن يكون سهلا ولا متيسرا. ولكن مستقبلنا يتطلب ذلك بأي ثمن. كما نتمنى أن تتم هيكلة مصادر الطاقة فهذه هي الخطوة المستدامة للتنويع، بحيث تكون الطاقة الشمسية من أهم روافدها. فالطاقة الشمسية قادمة سواء تقدمنا في استثمارها أم تأخرنا. والأولى ألا نكون من المتأخرين. فنحن اليوم بحاجة إلى توفير كميات كبيرة من السوائل النفطية التي يتم حرقها الآن خلال أوقات ذروة الطلب على التيار الكهربائي. وتوطين صناعة الطاقة الشمسية نعتبره من أهم موارد تنويع الدخل الذي نحن نسعى إلى تحقيقه. ناهيك عن عشرات الألوف من مختلف الوظائف التي من المؤكد توفيرها لشبابنا. ومن جهة التمويل المالي لمشاريع الطاقة الشمسية، فالوقت الحاضر، دون أي شك، هو الأفضل. ولو تأخرنا قليلا لبضع سنوات لربما يصعب علينا الاستثمار في الطاقة الشمسية، رغم أهميتها. والحديث عن مشاريع الطاقة الشمسية ليس جديدا. فمنذ سنوات طويلة ونحن نتكلم عن مزايا الطاقة الشمسية وعن ضرورة استغلالها، حتى وصل بنا الأمر إلى التنبؤ بإمكانية تصدير الفائض منها، رغم أننا لم نبدأ بعد.