الحياة اللندنية الإعلام، كان ولا يزال، سبب الأزمات والزوابع التي تشهدها العلاقات المصرية – السعودية وميدانها. آخر تلك الزوابع، اتهام الصحفي إبراهيم عيسى السعودية بأنها «منبع للإرهاب والتطرف» خلال برنامجه «30/ 25» على فضائية «أون تي في». هذه العبارة أثارت جدلاً واسعاً بين كتاب ومغردين، سعوديين ومصريين، لكنها لم تحرك أيّ رد فعل سياسي، وكأن البلدين قررا تجاوز مناكفات الإعلام ووضعها في حجمها. تاريخياً يمكن القول إن بقايا اليسار والناصرية في الإعلام المصري كانوا وراء عدم مودّة الإعلام المصري تجاه السعودية. تأثير هؤلاء تراجع كثيراً خلال العقود الثلاثة الأخيرة، لكنه ظل يطل بين فترة وأخرى. خطاب الحقبة الناصرية ما زال موجوداً في الإعلام المصري، وعلى الرغم من أن غالبية المؤسسات المصرية تجاوزت فكر تلك المرحلة ، إلا أن الإعلام بقي وفياً لها، وهذا ما يفسر استمرار الموقف غير المتصالح مع السعودية، على الرغم من أن العلاقات بين البلدين تجاوزت مرارات المرحلة الناصرية. وبعد ثورة يناير أضاف الإعلام عاملاً آخر أسهم في تعكير الأجواء بين البلدين، وهو الموقف من «الإخوان». ومن يقرأ مقالات وتغريدات سيجد بعض السعوديين لا يختلف في موقفه من مصر عن موقف إبراهيم عيسى من السعودية. أصبحت الجذور الناصرية والإخوانية تتبادل الأدوار في افتعال زوابع بين البلدين. العلاقات السعودية - المصرية لا يمكن أن تعود إلى الوراء، والغبار الذي تثيره وسائل إعلام في البلدين، بين فترة وأخرى، لم يعد له التأثير السابق. وكان آخر دليل على ذلك، التسريبات التي نسبت إلى القيادة المصرية، والتي احتفل بها الإعلام في شكل أوحى أن العلاقات بين مصر والسعودية ستدخل أزمة غير مسبوقة، لكن تلك الزوبعة ظلت في فنجان مثيريها. الذي لا جدال فيه أن العلاقات السعودية - المصرية تجاوزت تأثير الإعلام على النحو الذي كان سائداً خلال الفترة الناصرية. دخل البلدان في شراكة سياسية مختلفة. وقفت السعودية مع مصر في حرب أكتوبر، وحين قام الرئيس الراحل أنور السادات بعقد اتفاق السلام مع إسرائيل، وقطعت السعودية علاقاتها مع مصر ضمن الموقف العربي في تلك الفترة، بقيت الرياض على تواصل مع القاهرة. ويوم جاء الراحل السادات معزياً في وفاة الملك خالد رحمه الله، نقلت إذاعة «بي بي سي» الخبر بالقول «وصل الرئيس أنور السادات للعزاء في وفاة الملك خالد بن عبدالعزيز، في أول زيارة علنية للسعودية»، مما يعني أن الزيارات السرية لم تتوقف، فضلاً عن أن الجالية المصرية أكثر الجاليات عدداً في السعودية، وعلى مدى سنوات. لا شك في أن إسكات الإعلام في مصر والسعودية عن ممارسة النقد، وإن شئت النكد، لم يعد ممكناً في ظل الحرية التي تعيشها المنطقة، فضلاً عن أن التنفيس عن مواقف عبر الإعلام يبقى جزءاً من اللعبة السياسية بين الدول. الأكيد أن التداخل بين ما هو رسمي وما هو خاص في وسائل الإعلام العربية، خلق حالاً من الارتباك وعدم الفهم لمواقف الدول بعضها من بعض. لكن، يبقى أن المصالح الثابتة بين الرياضوالقاهرة تستعصي على مناكفات إعلامية بين فترة وأخرى.