تغييب مرحلة الرئيس الراحل أنور السادات وشخصيته، في مقابل استحضار فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وكأن الحال السياسية والتطورات التي تعيشها المنطقة من صنع الثاني، تناقض غريب يتطلب وقفه تأملاً للقطيعة غير المفهومة بين السياسي من جهة، والثقافي والإعلامي من جهة ثانية. الحقبة الناصرية لم تزل حاضرة بقوة في الخطابين الثقافي والإعلامي في وسائل الإعلام العربية، على رغم مضي قرابة أربعة عقود على زوالها، فضلاً عن أن تناولها يغلّف، على الدوام، بالزهو والاعتزاز، وهي تفرض في كل المناسبات والحوارات، على رغم أن صاحبها خلّف وراءه هزيمة موجعة ورحل. أما السادات الذي صنع نصراً يتفاخر به جميع المصريين والعرب، مثقفهم وبسيطهم، وأعاد الهيبة الى مصر وجيشها، وطوى نكسة، وإن شئت سقطة، الثورة المصرية، وحرر كل التراب المصري، وأعاد تشكيل منطق الصراع مع إسرائيل على نحو غير مسبوق، وفتح آفاقاً محرضة للسياسية، تعد سابقة في التاريخ، فهو شبه مغيّب، وجميع الزعماء يحاسبون بإنجازاتهم وأخطائهم، إلا السادات، فهو يجلد بأخطائه، وإهمال ذكره. أليس من المحيّر أن يستبدلوا صاحب النكسة، بزعيم العبور؟ لا شك في أن المشروع السياسي الذي يجرى العمل عليه في المنطقة امتداد لمرحلة أنور السادات، وما كان محرماً ومرفوضاً خلال حياة الزعيم المصري أنور السادات أصبح اليوم أمنية عزيزة للفلسطينيين وبعض العرب. لكن هذا التماهي بين الواقع السياسي ومرحلة السادات يترجم في الإعلام باستحضار صاحب النكسة، وتغييب صاحب المشروع الجاري حالياً. والأرجح أن هروب الإعلام العربي الى الناصرية تعبير عن فشل مشروع السلام، لكن استمرار سيطرة الثقافة الناصرية على مفاصل الإعلام والثقافة في العالم العربي، وتأثير جيل النكسة على هذا الإعلام ليسا حلاً ولا ينبغي أن يكونا بمثابة الحل. الأكيد أن الإعلام المصري والعربي عموماً ناصري الهوى، على رغم أن جمهوره – في غالبه - ولِد بعد تلك المرحلة، ولا يعرفها، وغير معني بها. لكن القضية هنا ليست في إلغاء حقبة، وفرض أخرى، وإنما في التوقف تماماً عن اجترار التاريخ الذي صار مجرد حكاية في كتاب نفد وتوقف طبعه، وجعل خطابنا الإعلامي تعبيراً موضوعياً عن الحاضر، وتجديد دماء الإعلام العربي. ولعله حان الوقت لقبول استئذان بعضهم بالانصراف من أعمدة الصحف وشاشات التلفزيون... مللنا من ترديد تاريخ مات، وتجاهل تاريخ ممتد وحي.