بقلم: عبدالرحمن عبدالعزيز المشيقح أن تحكم ، وتجزم ، وتفرض ، وتخوٌن ، وتستقرئ بأليات ساذجة بعيدة عن البراهين والدلائل فتلك مصيبة . وأن تجعل من تلك الصورة التي رسمتها تحفة تتبوء موقعا في العرض الفكري ، وتجعل من نفسك وصيا على مسار الفكر دون جرأة للمناظرة والحوار ، وفتح نوافذ القناعات ، وتحتمي بزاويتك الضيفة تتقي ضربات الخصم تلك مصيبة عظمى . قرأت مقالا بعنوان "الصحوي الكهل فشل فاستدار إلى حرب الكرة "* ، خطه الكاتب محمد ال الشيخ في زاوية له بإحدى الصحف المحلية في يوم الجمعة 27 مارس 2015 " ينال فيه من الشيخ الدكتور ناصر العمر . لم تفاجئني نبرة الحديث القائم على عاطفة الكره وحب النيل من الاخرين ، وركاكة الأسلوب لكن ما استوقفني بعض أحكام أطلقها الكاتب تجاه شخص اختلف مع توجهه . افتتح الكاتب مقاله بعبارة " في إحدى القنوات المؤدلجة والمتأسلمة حتى النخاع، ظهر كهل من كهول الصحويين، يدعو الشباب لترك الكرة والرياضة وتشجيعها " !! هل رأي الدكتور من الخطورة بما يجعل الكاتب ينال من شخصيته ويتجاهل مناقشة الفكرة؟ إن الكاتب جعل من ذاته محللا نفسيا يستقرئ أفكار الدكتور، أو أنه اعتمد على ضرب الرمل ، عندما يجزم قائلا " وهو هنا يدعو إلى الجهاد؛ والعنف بطريقة التفافية، فهو على ما يبدو يخاف من التصريح بذلك مباشرة كما كان يفعل هو وأقرانه في الماضي " !! لقد عودنا أساتذتنا في النقد ضرورة وحدة المعنى وترابط الأفكار عند العرض والمناقشة ، وكانوا يرون أن التخبط والتشتت في الطرح، والبعد عن وحدة الترابط في سياق الفكرة خلل لا يمارسه إلا ضعيف الثقافة ، وكانوا يشبهون ذلك بجهد حاطب الليل . إن مقال الكاتب رغم محدودية أسطره حمًل بما لا يطيق من الوصف والتهجم والاتهام والتقرير كمثل عبارات .( ويبدو أن هذا الكهل الصحوي مازال يعيش في أوهامه في الثمانينات والتسعينات ......، أن بعض المؤدلجين، كهذا الكهل الصحوي لا يتعلمون من تاريخهم وتجاربهم، ولا يستنتجون من رهاناتهم الفاشلة ما يمكن أن يكون لهم دليل نحو مستقبل أفضل .....؛ غير أن ما نراه أمامنا، وما نسمعه في قنواتهم الفضائية، وما يطرحون من رؤى، يؤكد أن الصحوي كائن (متكلس) بامتياز، فهو حين يستحضر الماضي ويحاول أن يفرضه على الحاضر، يشي عن عقلية متكلسة ومتوقفة عن التطور والنمو، لا تهتم بالزمن، ولا باختلاف الماضي عن الحاضر .....) ! وأنا ادون هذه الرؤية استوقفتني عبارة لأحد الكتاب عن سمات المفكرين نصها " أن قدرة الفرد على التفكير الناقد تعتمد بشكل كبير على امتلاكه مجموعة من القيم والميول والاتجاهات والخصائص المرتبطة بممارسة التفكير الناقد ، وقد أشار بول بأن من يفكرون تفكيراً ناقداً في حياتهم هم الذين يفكرون بطريقة عقلانية ، ومثل هؤلاء الناس يتعلمون كيف يكتشفون العمليات غير العقلية من التفكير وأن يفكروا فيما وراءها " إن الكاتب المتمكن المتسم بعمق الرؤية وكما يقول أحد الكتاب " يستخدم الأدلة بكفاءة مرتفعة ، ينظم أفكاره ويصرح بها بشكل متماسك ، لديه القدرة على التعلم الذاتي ، يؤجل إصدار الحكم في غياب الأدلة الكافية لدعم أي قرار ، يفهم الفرق بين الاستدلال والتبرير ، يعمل على التنبؤ بالنتائج المحتملة ، وتطبيق تكتيكات لحل المشكلات في المجالات الجديدة ، يفهم الفرق بين النتيجة التي قد تكون حقيقية والنتيجة التي يجب أن تكون حقيقية ." إن الصحافة التي تنشر الأخبار وتحللها ، وتطرح الآراء وتبررها ، وتناقش الأفكار وتوجهها بحاجة إلى الالتزام بالميثاق الصحافي ، وشرف المهنة الصحفية ، وخير من يلتزم بذلك هم الكتاب ، الذين يدركون الرسالة ، ويخشون المحاسبة ويحترمون الأشخاص ، ويعون المسؤولية . كم كنا نتابع وبلهف افتتاحيات بعض الكتاب ، لمعالي الدكتور محمد الرشيد رحمه الله وسعادة الدكتور علي التويجري في مجلة رسالة الخليج العربي ، ومقالات معالي الدكتور محمود سفر ومعالي الدكتور عبد الحميد ابو سليمان أمد الله بعمرهما على العمل الصالح ، ومقالات الدكتور أحمد زكي رحمه الله في مجلة العربي ،وغيرهم كثير ، مقالات لا تقوم على ركاكة الأسلوب ووهج العاطفة، وضمور الأفكار، والانتصار للذات . يبقى سؤال يفترض له إجابة :. بعض الصحف ابليت بكتاب زوايا لا يعون الرسالة الصحفية ولا يبدعون في مناقشة القضايا يصفق أحدهم لنفسه بعد تسطير ونشر مقاله ، دون رجع صدى لجهده ، ويبحثون عن مواضيع يسدون بها حاجة زواياهم ، دون إدراك للغاية من الطرح أو اهتمام بالمصداقية . هل المسؤول عن ذلك هو الناقد ، أم المؤسسة الصحفية التي تجيز مثل ذلك ، أم الجهات الرقابية ، أم هو الكاتب ذاته ؟ أختم مقالي بوقفة عند نقد الكاتب عبارة أنه "يدعو الشباب لترك الكرة والرياضة وتشجيعها لأن الأعداء من كل جنس، يتربصون بالأمة الإسلامية ... فالظرف - في رأيه - لا يسمح بأن نهتم بالكرة، ونترك أعداء الأمة " تلك من ضعف الرؤية عند الكاتب وعدم إدراكه لمفهوم المسؤولية تجاه الشباب الذين هم عماد الأمة وحصر ذلك في زاوية ضيقة ، حتى وجد أن أقرب تفسير لذلك هو حسب ما ذكر أنه " هنا يدعو إلى الجهاد؛ والعنف بطريقة التفافية" يذكرني ذلك بقصة الخليل بن أحمد الفراهيدي الرجل الكهل - حسب تعبير الكاتب - مع إبنه الصغير ، أنه كان يقطٍع العروض فدخل عليه ولده في وهو يزن أبياتا شعرية فخرج وهو يقول لقد جُنّ أبي ، ودخل الناس على أبيه فرأوه يقطع العروض .. ولما علم بالقصة قال البيتين المشهورين : لو كنتَ تَعلمُ ما أقولُ عَذَرْتَني أو كنتُ أجهلُ ما تقولُ عَذَلْتُكا لكنْ جهلتَ مقالتي فعَذَلْتَني وعلِمْتُ أنكَ جاهلٌ فعَذَرْتُكا -------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- *المقال المذكور ----------------- الصحوي الكهل فشل فاستدار إلى حرب الكرة محمد آل الشيخ الجزيرة السعودية الجمعة 27 مارس 2015 في إحدى القنوات المؤدلجة والمتأسلمة حتى النخاع، ظهر كهل من كهول الصحويين، يدعو الشباب لترك الكرة والرياضة وتشجيعها لأن الأعداء من كل جنس، يتربصون بالأمة الإسلامية، ويدعو الشباب إلى الالتفات إليهم، لا إلى الكرة والرياضة وتشجيعها؛ فالظرف في رأيه لا يسمح بأن نهتم بالكرة، ونترك أعداء الأمة؛ وهو هنا يدعو إلى الجهاد؛ والعنف بطريقة التفافية، فهو على ما يبدو يخاف من التصريح بذلك مباشرة كما كان يفعل هو وأقرانه في الماضي، ولو سألته: لماذا لا ترسل أبناءك ليواجهوا أعداء الأمة، فالأقربون أولى بالمعروف لبهت واختلق الأعذار التي بها يتهرب عن المسؤولية، مثل صاحبه الذي استنجد بالسلطة حينما علم أن أحد أبنائه شد رحاله للجهاد في العراق كما تقول الرواية المؤكدة؛ ويبدو أن هذا الكهل الصحوي مازال يعيش في أوهامه في الثمانينات والتسعينات من القرن الميلادي المنصرم، حينها راهن على الصحوة، وعلى قوتها، ووقف في ذات الخندق مع صدام عندما عارض استعانة المملكة بالقوات الأجنبية، وصعّد من خلال أشرطة الكاسيت، ودفع الدولة عندما تمادى في غيه إلى اعتقاله ومعه رفيقيه، وسُجن الثلاثة، ومرت السنين على سجنهم، ولم يكترث بهم أحد، غير أن بعض المؤدلجين، كهذا الكهل الصحوي لا يتعلمون من تاريخهم وتجاربهم، ولا يستنتجون من رهاناتهم الفاشلة ما يمكن أن يكون لهم دليل نحو مستقبل أفضل؛ فيكررون أخطاءهم بغباء، ويتشبثون بطموحاتهم المستحيلة، فتجد الواحد منهم يدور في حلقة مفرغة، ويردد ذات الأقوال، وكأن اللحظة الزمنية واقفة لا تتغير. بعد فشل ربيع الصحويين العربي، وسقوط كل رهاناتهم، والكوارث التي تمخضت عن ربيعهم المزعوم، كنت أنتظر منهم، ومن أساطينهم على وجه التحديد، خطابا آخر، ولغة أخرى، تستفيد من الماضي، وتتعلم منه، وتطور خطابها بما يتلاءم مع المرحلة بعد أن باءت رهاناتهم بالفشل. غير أن ما نراه أمامنا، وما نسمعه في قنواتهم الفضائية، وما يطرحون من رؤى، يؤكد أن الصحوي كائن (متكلس) بامتياز، فهو حين يستحضر الماضي ويحاول أن يفرضه على الحاضر، يشي عن عقلية متكلسة ومتوقفة عن التطور والنمو، لا تهتم بالزمن، ولا باختلاف الماضي عن الحاضر، ولا تتعلم من الفشل؛ قدر اهتمامها بتكرار نفسها، وتلقي الهزائم تلو الهزائم. ويبدو أنهم وجهوا سهامهم إلى الكرة، ولسان حال مؤدلجيهم و دعاتهم يقول : لأنها صرفت الناس عن الجهاد. فالجهاد والعنف والذبح عند الصحوي، خاصة السروريين منهم، هو قطب الرحى وبيت القصيد، وكأن محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام أرسل لإراقة الدماء والقتل والإبادة البشرية، وليس (رحمة للعالمين): داعش وكذلك أختها التوأم (جبهة النصرة)، لا يمكن أن يقوم لهما قائمة لولا أننا تسامحنا كثيرا مع هذا الداعية وأمثاله، فهم من عملوا بلا كلل ولا ملل طوال ثلاثة عقود على التحريض على العنف والجهاد، وهم من كانوا يتحينون الفرص وينتهزون كل شاردة وواردة للهجوم على الأنظمة العربية، أو التسرب إلى مواقع القرار فيها، وصحونتها، ومن ثم تحريض الشعوب على إسقاط أنظمتهم، لذلك عندما فشلت حركتهم الأم في مصر، وسقطت، لم يبق واحد من هؤلاء الحركيين الصحويين لم يرفع صوته عاليا، منددا بالسقوط، ومحرضا على منقذ مصر الدولة الرئيس عبدالفتاح السيسي، ولعل ما يُطمئن ابن الوطن وهو يسمع تكرار هؤلاء لخطابهم الفاشل، بذات التوجه، ونفس التكتيك، أن هؤلاء مفلسون، وبقاؤهم مسألة زمن إذا انتهى تلاشوا، فليس في جُعبهم ما يدعو للخوف والقلق؛ فالخوف ليس من المتكلس، المتقوقع في خطاب ثبت فشله، ومع ذلك لا يستطيع أن يتخلص منه ومن استعباده لفكره، وإنما الخوف من أولئك الذين يستفيدون من أخطائهم، ويغيرون تكتيكاتهم، ويلونون جلودهم حسب معطيات الظروف وتغيراتها؛ أما هؤلاء فيلسوا سوى جعجعة وليس ثمة طحنا. إلى اللقاء.