الحياة - سعودي كان اليمن مبهراً في ثورة شبابه، كيف يمكن لشعب يملك نحو 60 مليون قطعة سلاح، أن يخوض ثورة سلمية ضد استبداد علي عبدالله صالح. وكيف يمكن لدماء أن تنزف في ميادين التغيير ألا تتحول إلى بارود يفجر ثورة مسلحة كما حدث في ليبيا وسورية. كان هذا مثيراً للإعجاب، لكن هذا لم يدم طويلاً. إذ سرعان ما لحقت اليمن بركب بقية الدول العربية، التي اختفى فيها شباب الثورة عن المشهد السياسي، لتتصدره الأحزاب والقوى السياسية التقليدية. من ناحية أخرى، لم يكن الحوثي شاذاً عن نسيج اليمن، فهو سليل دول الإمامة الزيدية، التي حكمت اليمن لقرون، حتى نهايتها في بدايات ستينات القرن الماضي، لذا لم يكن لأحد الحق في إقصاء الحوثي من الحوار السياسي الدائر بعد 2011، الذي جاء برعاية خليجية وتفويض دولي من أجل ضمان انتقال سلمي في اليمن، بعد استقالة الرئيس علي عبدالله صالح تحت ضغوط ساحات التغيير. كانت تلك فرصة لإعادة ترتيب الحكم باليمن بين أقطاب الصراع التقليديين من آل الأحمر، وحزب التجمع اليمني للإصلاح، وعلي عبدالله صالح، والحوثيين، والحراك الجنوبي، وغيرهم من الفاعلين في الساحة السياسية اليمنية. وهذا ما حاولت المبادرة الخليجية فعله. أسس حسين الحوثي حركة «أنصار الله» في صعدة خلال تسعينات القرن الماضي، وتعتبر الحركة النواة الصلبة لما يعرف اليوم بالحوثيين، إذ تتكون حركة الحوثي من تحالف قبائل وحركات عدة، أبرزها وأقواها تجمع «أنصار الله». قتل حسين الحوثي في معارك مع الجيش اليمني في 2004، ويقود الحوثيين اليوم أخوه عبدالملك الحوثي. خاض الجيش اليمني ست حروب ضد الحوثيين في صعدة وعمران والجوف خلال منتصف العقد الماضي، وخاضت السعودية حرباً أخرى مباشرة ضد الحوثيين على حدودها سنة 2009. والإشارة إلى هذه الحروب مهم هنا، فهذه الحروب تعني أن حركة الحوثي لم تبدأ كمجرد فاعل سياسي يمني محلي، بل بدأت كحركة مسلحة، استخدم خصومها السلاح ضدها، واستخدمت هي السلاح ضد خصومها. لكن استخدام السلاح قبل 2011 مختلف عما بعده. قبل 2011 كان استخدام السلاح في اليمن جزء من فشل الدولة، فالدولة لم تكن تحكم إلا العاصمة وأجزاء محدودة أخرى من اليمن، في مقابل أن للقاعدة حضورها في اليمن، وللحوثي مناطقه التي يسيطر عليها، وللقبائل المسلحة مناطقها التي لا تمتد إليها سطوة الدولة. المشهد اليمني تغير بعد 2011، فاستخدام السلاح أصبح محاولة للهيمنة على الدولة، مع رعاية الدول الخليجية الحوار في اليمن لضمان انتقال السلطة بشكل سلمي، جاء استخدام السلاح من الحوثيين كمحاولة لانتزاع الحكم بعيداً عن التفاهمات السياسية الجارية. حاصر الحوثيون منطقة «دماج» المعقل التاريخي للسلفيين في اليمن لمرات عدة، كان آخرها في النصف الثاني من 2013. واستمر الحصار لفترة طويلة، وتم دك بعض أجزاء دماج بالمدفعية الثقيلة، لإجبار آلاف على النزوح منها. وهذا ما حدث في بدايات 2014، إذ نزح الآلاف من مشايخ وطلاب دار الحديث بدماج مع أهاليهم إلى صنعاء بسبب اعتداءات الحوثي وحصاره. بطرد السلفيين من دماج، أصبح الحوثيون يسيطرون على صعدة بشكل منفرد. بعد أشهر من دخول الحوثيين إلى دماج، زحفوا إلى محافظة عمران، التي تبتعد عشرات الكيلومترات عن العاصمة صنعاء. أجبر الحوثيون آل الأحمر على الخروج من مناطقهم، بعد سقوط اللواء 310 مدرع بيدهم في يوليو 2014، الذي يفترض بأنه يمثل سيطرة الدولة اليمنية في عمران. كانت هذه التحركات من الحوثيين متوازية مع الحديث عن وثيقة الحوار الوطني، التي تحاول الخروج بحل سياسي للأزمة اليمنية. لا يبدو بأن ما حدث بعد سيطرة الحوثيين على دماج وعمران مفاجئاً، فالحوثي منتشياً بقوته العسكرية تمدد ودخل إلى صنعاء في سبتمبر الماضي، لتأتي التحليلات متضاربة حول هدف الحوثي من هذه الخطوة، بين قائل بأنه يبحث عن شروط تفاوضية أفضل مع الرئيس اليمني، وبين مشير إلى أن الحوثي يريد أن يحكم اليمن بسياسة فرض الأمر الواقع، وهذا ما كان. سيطر الحوثي على القصر الرئاسي في صنعاء بعد أشهر من دخوله المدينة، وأعلن الرئيس اليمني استقالته، التي تراجع عنها لاحقاً. خرج الرئيس ثم وزير دفاعه، ومسؤولون يمنيون آخرون من صنعاء إلى عدن. لم تأت سيطرة الحوثي وتمدده من دون دماء، ومن دون تظاهرات سلمية كان يقمعها بالسلاح. لاحقاً قطع الحوثي كل التحليلات بيقين الوقائع. قرر الحوثي الزحف إلى عدن، فلم يعد للحديث عن رغبة الحوثي في تحسين موقعه التفاوضي أي مكان في سياق محاولته فرض سيطرته على كامل اليمن من شماله إلى جنوبه بقوة السلاح. تكتسب هذه الأوضاع خطورة مضاعفة، كونها تأتي في ظل دعوات انفصالية في جنوب اليمن، ليكون زحف الحوثي على عدن مسماراً أخيراً في نعش الوحدة اليمنية. الحرب مجازفة، والاكتفاء بمشاهدة الحوثي يتمدد في اليمن بقوة السلاح مجازفة أكبر، خصوصاً مع التقارير المتكررة عن علاقته بإيران، فالحوثي ليس عامل استقرار في المنطقة لا في اللحظة الحالية ولا على المدى الطويل. ربما تأخر التدخل الخليجي في اليمن كثيراً، وذلك لإعطاء المجال للحلول التفاوضية، لكن الحوثي استفاد من هذا التأخر بفرض تمدده بقوة السلاح، من هنا كان إيقاف السعودية لزحف الحوثي إلى عدن أمر لا مفر منه. BALRashed@