الوطن - السعودية "أمقت اختزال الحرية والمعيقات التي تقف بوجه تطور الرجل والمرأة العربيين في النقاب أو الحجاب أو قيادة السيارة فقط، بينما حوالي ثلاثة أرباع نسائنا ورجالنا لا يقرؤون الكتب ولا يأخذون من تحضر الغرب سوى قشوره" قبل الهجوم الإرهابي الشهير على جريدة "شارلي إيبدو" الفرنسية مطلع هذا العام، لم تكن "الصحفية الكوميدية" المغربية صوفيا عرام مثيرة للجدل خارج فرنسا ولا داخلها بالقدر الذي اكتسبته بعد سخريتها "الثقيلة" من النساء السعوديات المنقبات. عرام التي تقدم فقرة إذاعية في راديو فرانس إنترناسيونال نشرت على "اليوتيوب" مقطعا مصورا لبرنامجها الساخر، وهي ترتدي النقاب محاولة تقليد النساء السعوديات شكلا ولهجة بطريقة كوميدية تنتقد عادات المجتمع السعودي "المتحفظ"، وعدم إمكانية قيادة المرأة للسيارة وغيرها من ضوابط اجتماعية في المملكة، الأمر الذي أثار استهجان الكثير من المنابر الفرنسية التي بدورها هاجمت السيدة، معتبرة "سخريتها مخزية" وغير مقبولة واعتداء على الحريات في وقت تتعرض فيه فرنسا لحملة إرهابية شرسة تحتاج إلى التعاضد والاستيعاب أكثر مما تحتاج إلى استفزاز الآخر المسلم. "الصحفية" المسلمة التي تحمل الجنسية الفرنسية لم تضحكني أبدا رغم محاولاتها البائسة لإتقان هذا الكاريكاتور الدرامي، وهو نوع رائج في فرنسا يطال جميع الشخصيات والتوجهات والمعتقدات دون استثناء، ويعتبرها الفرنسيون مساحة متاحة للنقد شرط أن لا تخضع للتعميم إزاء ديانة أو جنسية أو قومية بعينها. هذا "الفارس" الكوميدي لم يضحكني، بل جرح كبريائي العربي، لأن الممثلة، برأيي الشخصي، اختزلت صورة المرأة السعودية والعربية بثلاث دقائق من التهريج التافه، وكان الأحرى بها أن تتعلم اللغة العربية التي هي لغتها الأم كي تتمكن من فهم خصوصيات المجتمعات العربية ومن بينها السعودية، وتقف على الأسباب والظروف الموضوعية لواقع المرأة بدل أن تكتفي بالهزل السطحي، ولو تعلمتها لعرفت أن هناك نساء سعوديات أكثر تطورا مني ومنها في ميادين العلم والشهادات الجامعية والكتابة والصحافة، وأن هناك أصواتا سعودية حقيقية تسعى إلى التنوير وتدين التشدد الديني والفكري، ولعلمت أيضا أن واقع المرأة في بقية البلدان العربية لا يختلف عن نظيرتها السعودية إلا بتفاصيل سطحية لا تغير من حقيقة خضوعها لسلطة الرجل والمجتمع الذكوري. ففي سورية "العلمانية" مثلا لا تستدعي جرائم الشرف المرتكبة بحق النساء، المحجبات أو السافرات، من قبل ذكور العائلة سوى عقوبة بسيطة قد يتملص الجاني منها بكفالة مالية، كما لا تملك حق الطلاق إلا بصعوبة وبنفقة لا تكاد تكفي لشراء وجبتي طعام، ولا تتمكن من العمل أو السفر دون موافقة الزوج رغم ارتدائها الميني جيب.. وفي موريتانيا أيضا كمثل آخر لا يزال نظام الرق متاحا وفق القانون، وفي مصر لا يزال ختان المرأة حاضرا في الصعيد. وفي بلدها المغرب تعاني المرأة من العنف والتدهور الاقتصادي وتنتشر مافيات الاتجار بالبشر. النقاب فكريا قبل أن يكون جسديا، وأنا شخصيا يا سيدة عرام سافرة وشعري الأسود يطير في الهواء بحرية كاملة وأقود السيارة وألبس الجينز إلا أني لم أشعر يوما أني حرة أكثر من صديقتي الروائية السعودية سمر المقرن التي أكاد أجزم أنك لم تسمعي بها، أو الكاتبة والإعلامية بدرية البشر التي أفخر بها كامرأة عربية تسبق الكثيرات بمراحل.. أنا لست راضية عن واقع المرأة السعودية في بعض الأمور، ولا أدافع عن فكرة بذاتها، إلا أني أمقت اختزال الحرية والمعيقات التي تقف بوجه تطور الرجل والمرأة العربيين في النقاب أو الحجاب أو قيادة السيارة فقط، بينما حوالي ثلاثة أرباع نسائنا ورجالنا لا يقرؤون الكتب ولا حتى الجرائد إلا لمطالعة الأبراج ولا يأخذون من تحضر الغرب سوى قشوره. عزيزتي التطور يبدأ من الدماغ لا من مدى جمال تسريحة الشعر في صور السيلفي وقصر الثوب وطول اللسان.. وعلى سيرة صور "السيلفي" التي تنتشر بكثافة هذه الأيام، لفتت نظري دراسة نشرتها باحثة في جامعة "واجنينجن" الهولندية تؤكد أن العلاقة بين عدد الصور الشخصية التي ننشرها على مواقع التواصل وحياتنا العاطفية الحميمة مؤكدة، حسب الموقع الفرنسي "ديفيلاتور": "أن العرض المفرط لصور السيلفي هو بمثابة صرخة استغاثة يطلقها أشخاص يشعرون بالإهمال والهجران العاطفي وعدم الأمان وعدم الرضا عن واقعهم وذواتهم، وما غزوهم لشبكات التواصل إلا محاولة لملء هذا الفراغ النفسي، عبر لايكات الإعجاب وصور السيلفي التي أسمتها الباحثة (صور الوحدة والشعور بالنقص)". لا أعلم بدقة مدى استخدام السعوديين للسيلفي، إلا أني لاحظت جنوحا متزايدا باتجاهه، فهل هذا مؤشر إلى اغتراب عاطفي يعيشه أبناء المملكة الباحثون عن السعادة والحب المختبئين في الفانوس السحري العنكبوتي؟؟ أم محاولة لتضييق العزلة التي فرضها اتساع العولمة؟ على فكرة عزيزتي صوفيا.. إظهار حسن القوام وتسريحة الشعر عبر "السيلفي" ليس مؤشرا للتطور.. على العكس هو تراجع في شعورنا بالامتلاء النفسي والفكري، ودليل على حالة الخواء الإنساني التي يعيشها الفرنسيون أيضا... هل فكرت في ذلك؟؟