عبدالعزيز الحصان التقرير الكندية دخلنا عهدًا جديدًا بلا تغيير يذكر يصب في اتجاه دولة مؤسسات دستورية؛ فلازال مجلس الشورى دون صلاحيات برلمانية، ولازالت المحكمة العليا دون صلاحيات دستورية فعالة، ولازالت استقلالية القضاء رسمًا على ورق، ولازالت السلطة التنفيذية دون محاسبة، بل وتم خلال السنة الماضية إعطاء حصانات إضافية للوزراء في حالة ارتكابهم جرائم كما في ديباجة نظام الإجراءات الجزائية. أما التغيير الذي يذكر فهو تقسيم مجلس الوزراء إلى مجلسين بصلاحيات واسعة لكل منهما، مما يؤسس لتقاسم السلطة داخل مجلس الوزراء وتحييد ولي العهد، أكثر من كونها تفويضًا؛ وهذا سيرتب عواقب مستقبلية ليست في الصالح العام، بينما كان المفترض هو مجرد تعيين رئيس لمجلس الوزراء يكون خاضعًا للرقابة الشعبية والمحاسبة. في ظل هذا الواقع، يأتي من يقدم أحلامًا باسم "الدولة السعودية الرابعة" والتي كان يبشر بها منذ عهد الملك السابق. لماذا هي أحلام؟ لأنه ليست هنالك مؤشرات حقيقة تدل على أن البلاط الملكي في حلته الجديدة، كما كان الحال لدى السابق، لديه مشروع إصلاحي في هذا الصدد، وفي نفس الوقت ليس لدى من يبشر بهذا المشروع أي إرادة للسعي للإصلاح بعمل سلمي يهدف إلى تحقيق هذا الأمر، ويزيد على ذلك بخلط مابين الإصلاح السياسي وبرنامج عمل الحكومة٬ فيتم تقديم تصور لمشروع عمل الحكومة مع مطالب إصلاح سياسي مما يشتت الجهود. فليس المطلوب الآن تقديم برنامج عمل للحكومة، فالمطلوب هو إيجاد مسارات للإصلاح السياسي، وبعد ذلك تقدم الحكومة أيًا كان شكلها برنامجًا لعملها تتم محاسبتها عليه. مما يرتب الحديث عن ماهية خارطة المستقبل المقترحة لوطننا ودور كافة الاطراف٬ بدلًا من التحذير من خطر الدول الأخرى والتي بدورها تقوم بما يتحتم عليها القيام به للدفاع عن ماتعتقد أنه من مصالحها؛ فكل دولة في العالم، بل كل جماعة، لديها مشاريع سياسية تريد تحقيقها، وهذا أمر ليس طبيعيًا فقط بل أمرًا مطلوبًا من كل دولة. فإذا وجدت مجموعة دول لاتقوم الأطراف الحاكمة فيها بتمثيل المصالح العامة للشعوب وإنما تطغى المصالح الشخصية على طريقة إدارة شؤون هذه الدول، فليس من المنطق في شيء أن تكتفي الشعوب و"النخب" في هذه الدول بالتحذير من مشاريع الدول الأخرى، بل عليها تحمل مسؤوليتها التاريخية وقيادة الإصلاح في بلادنها. وفي نفس الوقت، على السياسين في هذه الدول أن يتوقفوا ولو للحظة للتأمل في ما ستترتب عليه سياستهم التي لا تقوم على أي عمق شعبي، بل تقوم على محاولات السيطرة على العقول بدلًا من الاستفادة منها لصالح هذه الدول. ومحاولة خلق صور ذهنية إعلامية بواقع البلد، لاتعكس الصورة الحقيقة وتقوم على محاربة المصلحين في هذه الدول، الذين يسعون إلى ترسيخ هذه الدول وإصلاحها، وتستهلك جزءًا كبيرًا من مواردها في صناعة أعداء في الداخل وصنع حروب بين فئات المجتمع. بعد هذه المقدمة الطويلة، ماهي خارطة المستقبل المقترحة؟ وهل هنالك من طريق أو طرق للوصول إليها؟ إن أي حديث عن المستقبل دون الحديث عن إصلاح جذري سياسي هو مجرد تجاوز للواقع، فلايمكن أن تكون هنالك نهضة ولا محاربة للفساد ولا وقف للمظالم العامة ولا عدالة اجتماعية تحارب البطالة والفقر وتؤسس للمساواة دون إصلاح سياسي، ولايمكن الحديث عن أخطار خارجية وغيرها دون الحديث عن إصلاح الداخل؛ فضعفنا على كثرة الموارد المالية والبشرية هو من التفرد ودولة الأفراد. لذا؛ لامفر من التحول إلى دولة مؤسسات دستورية، تكون الشورى فيها حاضرة كقيمة حقيقة وأداة لها وسائل مؤسسية، وليس مجالس صورية. نوعية الإصلاح وشكله يخضع لقدرة وإرداة الفاعلين في التغيير الإصلاحي، ومن الأفضل دائمًا في حالة التغيير الدستوري في البلدان الحديثة هو الحرص على أكبر قدر من المشاركة الشعبية بعدة أدوات معروفة في مجال تصميم الدساتير، وبناء حكومات قائمة على المشاركة السياسية. لهذا التحول عدة طرق، لكن يجب التذكير بأن عملية الإصلاح الدستوري ليست عصًا سحرية بقدر ماهي عملية مستمرة تبدأ بالنضال وتقديم الصالح العام على المصالح الشخصية والتحلي بالوعي السياسي الكافي لتقدير المصالح العامة في كل مرحلة للصالح العام وليس لصالح تيار أو فئة ومكاسبها ثم تنتهي بتأسيس المؤسسات الدستورية الفاعلة، وهذا يأخذ سنوات مع إرادة وبذل من كافة الأطراف المشاركة. بعض الطرق التي يمكن نقاشها: 1- الطريق الأول: هو إيجاد هيئة إصلاح دستوري ترعى حوارًا وطنيًا، وتكون مسؤولة عن عملية الانتقال إلى دولة المؤسسات الدستورية، وتقدم بياناتها مباشرة للشعب وللملك، وتكون موجودة فقط لمدة خمس سنوات يتم حلها بعد ذلك. ومن مزايا هذا الطريق، فتح حوار مباشر مع الشعب لإيجاد أفضل الحلول الدستورية لشكل الدولة الجديد، والدستور في هذه الحالة لابد أن يصدر خلال فترة معقولة لا تتجاوز سنتين بالإضافة إلى وجود مختصين يشرفون على التحول للمؤسسات الدستورية، وذكرت في مقال مستقل وضع هذه الهيئة وكيف ممكن أن تختلف عن الهيئات والمؤسسات الصورية الموجودة في مجالات أخرى على رأسها مجلس الشورى. 2- الطريق الثاني: هو إيجاد مسودة دستور بإرداة ملكية تؤسس للتحول إلى دولة مؤسسات دستورية. إشكالية هذا المقترح أنه يفترض وجود فريق مهتم بالشأن العام، قريب للبلاط الملكي، يمكن أن يقود هذا التحول. ومعظم مطالب "النخب" تنتظر هذه الإرادة في البلاط الملكي بخطابات أشبه بالاستعطاف منها لخطابات تطالب بحق مشروع. في هذا الطريق قد يتم طرح الدستور للشعب للتصويت، ولكن هذا لايكفي إذا لم يكن للشعب حق المداولة وطرح المقترحات للتعديل للوصول إلى عقد اجتماعي جديد يمثل بيعة حقيقة. 3- الطريق الثالث: تبني مجموعات من الشعب لمسودة دستور تقدم للشعب أولا، ومن ثم تخضع للنضال والتفاوض مع الحكومة فيما يمكن عمله بشأنها للوصول إلى حلول معقولة. المشكل الحقيقي ليس في الطرق المشكل، هو في عدم وجود مؤشرات تدل على إرداة للبلاط الملكي للإصلاح، وفي نفس الوقت عدم وجود إرداة لدى "النخب" للدفع بالعمل تجاه الإصلاح بدل حديث "المرفهين" عن الإصلاح، في ظل غياب شعبي واسع نتيجة انعدام مؤسسات المجتمع المدني، يظل التفاؤل موجودًا بحكم الوعي الواسع لدى الشعب، بالاضافة إلى المجموعات الشبابية الواسعة التي تحمل وعيًا للتغيير والإصلاح بشكل كبير، بالاضافة إلى قيادات الإصلاح الموجودة في السجون. على كافة الأطراف المهتمة بالإصلاح أن تتحلى بالحكمة، وقبل ذلك الشجاعة، فلا توجد حكمة دون شجاعة وتعلم أن أيًا من المشاركين في الإصلاح من الشعب لابد أن يضحي للصالح العام، وندعو البلاط الملكي بالتحلي بالحكمة والتقدم بخطوات تصالحية، على رأسها الإفراج عن المعتقلين السياسين لبدء صفحة جديدة في تاريخ وطننا لتقوية الداخل وحمايته من الأخطار الخارجية بدلًا من "التحذير الإعلامي" من الأخطار الخارجية دون القيام بخطوات حقيقة في إيجاد عمق شعبي، فقد بات من المسلم به أن دول الخليج لاتمتلك عمقًا استراتيجيًا شعبيًا وذلك لعدم مشاركة الشعوب في القرار السياسي.