التقرير - السعودية كانت أحداث الصراع على الحكم بين الملك سعود والأمير فيصل –آنذاك- في أشدها،هذه الأحداث التي استمرت بشكل واضح من عام 1959 لغاية 1964 وانتهت بعزل الملك سعود وهو في خارج البلاد،في هذه الأحداث الكثير من العبر التي يمكن الاستفادة منها في الصراع الحالي للحكم،من هذه العبر الرسالة الواضحة التي أرسلها بعض وجهاء الشعب ونقلت شفوياً بأن أبناءنا لن يخوضوا معارك في الشوارع بين بعضهم البعض،بناء على القطاعات العسكرية المؤيدة لهذا وذاك،لذا لابد أن يكون استعمال السلاح في أي أعمال للصراع على الحكم مرفوضة،كما كانت سابقاً.وهذا هو المتوقع من أبناء الشعب الواحد خاصة أن هنالك أخوة وأبناء عمومة في قطاعات عسكرية مختلفة. هذا المقال سيتحدث عن دستور عام 1960 والذي نتج أثناء النزاع على الحكم وتم قتله في مهده.والذي قام بالإشراف عليه الأمير طلال بن عبدالعزيزبالاستعانة بخبراء دستوريين من مصر،كان يسمى النظام الأساسي للحكم (الدستور) ولكن بشكل مختصر يعد متقدماً جداً في وقته،ومتقدماً كذلك مقارنة بالنظام الأساسي للحكم الذي وضع في المملكة عام 1992 وتم به هيكلة السلطة المطلقة قانونياً. في يوم السبت 24 ديسمبر من عام 1960 قام الوزير ناصر المنقور بافتتاح مجلس الوزراء الجديد (وتنص بعض المصادر أن المنقور كان يمارس عمل رئيس مجلس الوزراء في تلك الوزارة والتي لم يكتب لها الحياة أكثر من سنتين في ظل الصراع على العرش)،بيان الحكومة للسياسة الداخلية والخارجية وذلك نيابة عن الملك سعود وذكر فيه سعي الحكومة لوضع نظام أساسي للحكم.وقد أعلن عن النظام الأساسي للحكم في الراديو وبعدها بيومين تم الإعلان عن خطأ ما. هذا الدستور كان يحتوي على مائتي مادة من النصوص الرائدة فيه: "العدل والحرية والمساواة والتعاون والتراحم دعامات المجتمع"،"إنشاء النقابات حق مكفول"،"الناس سواسية في الكرامة الإنسانية،وهم سواء أمام النظام في الحقوق والواجبات"وقد نص على حقوق كأصل البراءة وحق الدفاع عن المتهم وحرمة المساكن و حرية الرأي. من النصوص الدستورية فيه والتي تعد سابقة لو نفذت ولرأينا شيئاً من دولة المؤسسات الدستورية وانتشار الحقوق إضافة إلى ماسبق وهو أن منصب رئاسة الوزراء يكون بتعيين من الملك،وهذا فصل مطلوب مابين العرش والحكومة،حيث نصت المادة 53 من الدستور على أن تعيين رئيس مجلس الوزارء وقبول استقالته وإعفائه يكون بأمر ملكي. وتعيين الوزراء وإعفاؤهم يكون بناء على اقتراح من رئيس مجلس الوزراء. نص الدستور كذلك على إنشاء مجلس وطني بانتخابات لثلثي أعضائه المائة والعشرين وفق المادة 65 من الدستور.ويختار المجلس رئيسه.ويحق للمجلس الوطني أن يوجه استجوابات لرئيس الوزراء،وإلى الوزراء.ويحق للمجلس طلب عدم الثقة بعد اقتراح عشرة من أعضاء المجلس ويحق له كذلك سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء ويعتبر مستقيلاُ من صدور قرار عدم الثقة به وفق المادة 101 من الدستور. وللمجلس صلاحيات تعد تقدمية جداً مقارنة بصلاحية مجلس الشورى وفق الأنظمة الأساسية التي صدرت بعده ب 32 عاماً.وقد نص الدستور على إنشاء "مجلس الدولة" وأسند إليه صلاحيات قضائية دستورية بالإضافة إلى صلاحيات القضاء الإداري. هذه مجرد إشارة لجزء من الأحداث في تلك الفترة.ونصوص دستور ضاع في ظل صراع كان يمكن لهذا الدستور أن يؤسس بذرة حقيقة،ونقلة لدولة حضارية نهضوية،بدلاً من دولة رعوية.كان يمكن أن يؤسس لمملكة شورية بدلاً من مملكة سلطوية.كان يمكن أن يؤسس لبذرة حواراً حقيقياً في ظل مجلس وطني بدلاً من حوار السجون،وحكايات "الجدران لها آذان تسمع بها"، كان يمكن أن يؤسس لبذرة عدالة اجتماعية بدلاً من نهب الأموال العامة ، كان يمكن أن يؤسس لمجتمع العمل بدلاً من مجتمع الخمول،بسبب السلطوية والتوزيع الظالم للثروة،حيث من لايعمل يأخذ من المال العام،ومن يكدح يأخذ الفتات.كان يمكن لهذا الدستور أن يؤسس حقوقاً للوافدين الذين تسحق حقوق عدد كبير منهم في البيوت والشوارع .كان وكان.. لن نبكي على التاريخ ولا يمكن لنا تغييره ،كل مايمكننا عمله الآن ومايجب علينا عمله،هو السعي لتغيير المستقبل بدل الانهيار الحضاري والنهضوي والحقوقي. هنالك ظروف تتشابه مع تلك الفترة وهي الصراع على الحكم الجاري الآن،بين عدد من الأحفاد والقوى الفاعلة في البلاط الملكي وأحقية بعض الأبناء وفق العرف العائلي في العرش في المملكة،ولكن هنالك ظروفاً كثيرة تختلف. فالظروف العالمية والمحلية تختلف اختلافاً جذرياً، ومقومات الشعب ومطالبه بالإصلاح الجذري .الآن ليست مرتبطة بنخبة ما وإنما مطالب شعبية تكون رأياً عاماًعلى اختلاف الأولويات التي تطالب بها وطريقة المطالب. إن خارطة الطريق للخروج من النفق المظلم للواقع السياسي،هي ابتداء الإفراج دون قيد عن كافة السجناء السياسين،وإغلاق ملف المعتقلين للأبد، الدعوة إلى حوار وطني بجدول زمني محدد لا يتجاوز ثلاثة أشهر،يخرج بتوافق بين مقومات الشعب والحكومة عن نوعية وشكل الإصلاح المراد،والذي يحقق كرامة الجميع في دولة تحفظ الحقوق والحريات وتحقق العدالة والمساواة للجميع. هذه الخارطة لا يمكن لها أن تحقق وفق الظروف الحالية إلا بدعم شعبي يشكل إرادة شعبية تخضع الحكومة للإصلاح بدلاً من التنازع حول المصالح الشخصية لأفراد داخل المنظومة الحاكمة.