د. فهد بن عبد الله الحويماني الاقتصادية - السعودية لا شك أن لكل من سوق الأسهم وكرة القدم شعبية كبيرة في المملكة، وربما يستغرب البعض من وجود أي علاقة بين هذين المجالين، حيث يبدو أن الأسهم شيء وكرة القدم شيء آخر. لذا سأتطرق لهذه العلاقة من ثلاثة جوانب: (1) ما أوجه الشبه بين الأسهم وكرة القدم؟ (2) وما تأثير فوز المنتخب أو الأندية المشهورة على حركة الأسهم؟ (3) وهل من جدوى لإدراج أندية كرة القدم في سوق الأسهم؟ الحقيقة أننا بحاجة لعدة صفحات لتغطية كل جانب من هذه العلاقة، ولكن هنا فقط سأستعرض أبرز الخطوط العامة للإجابة عن الأسئلة الثلاثة. يمكن إيجاز التشابه بين الأسهم وكرة القدم في ما يلي: 1) كرة القدم لعبة شعبية معروفة، غير أن كثيرين يتعاملون مع الأسهم على أنها لعبة كذلك، وفي كلا الحالتين هناك غالب ومغلوب، والفوز يأتي مصحوبا بنشوة عارمة والهزيمة تؤدي إلى شعور بالذل والإحباط. 2) الرئاسة العامة لرعاية الشباب والاتحاد السعودي لكرة القدم هما إلى حد كبير مثل هيئة السوق المالية والسوق المالية السعودية "تداول"، مع وجود بعض الفروقات، وربما الصناديق الاستثمارية والشركات المطروحة جميعها بمثابة الأندية، والمتداولون هم المشجعون في كرة القدم. فمن يشتري أسهم "سابك" يصبح مشجعا لأسهمها، ومن يساند المؤشر العام مثل الذي يساند المنتخب، وهكذا. 3) لا يمكن أن تكون المباراة عادلة ما لم تكن قوانين اللعبة عادلة وواضحة وأرضية الملعب صالحة للعب والحَكم واعيا وحازما وملما بالأنظمة. كذلك سوق الأسهم تصبح عادلة عندما تكون الأنظمة واللوائح عادلة وشفافة وأرضية التداول مرنة ومتاحة للجميع، ومن يحكم بين المتداولين واعيا وحازما وملما بالأنظمة. 4) لا خلاف في أن يتفوق فريق على آخر في كرة القدم، طالما تم ذلك بالتزام تام بقوانين اللعبة وبنزاهة تامة وكفاءة من جانب التحكيم، فيأتي التفوق نتيجة المهارة العالية للاعبين وخطط وذكاء المدربين. الشيء نفسه يجب أن ينطبق على سوق الأسهم؛ لذا نجد أن هناك امتعاضا كبيرا في أوساط المتداولين عندما تربح فئة من المتداولين على حساب فئات أخرى نتيجة عدم الالتزام بالأنظمة واللوائح أو لضعف التحكيم وتخاذل الحكم في إطلاق صافرات الإنذار ومنح الكروت الصفراء والحمراء. هناك في الواقع كروت صفراء وحمراء في سوق الأسهم، غير أنها تمنح للشركات المتعثرة، لا للمتداولين المخالفين كأولئك الذين يتداولون بناء على معلومات داخلية. 5) أترك للقارئ حرية استكمال التشبيه بين الأسهم وكرة القدم: مثلا التعصب في كرة القدم وما يقابله في الأسهم، هوامير الأسهم وما يقابلهم في كرة القدم، والمنافسات الدولية في كرة القدم وما يقابلها في الأسهم. هل بالفعل تتأثر حركة الأسهم بنتائج المباريات؟ يختص مجال الاقتصاد السلوكي وفرعه المختص بسلوكيات المتداولين في الأسهم بدراسة نفسيات المتعاملين وتأثيرها على تصرفاتهم (يمكن الرجوع لمقال حول ذلك بعنوان "أمور نفسية في تداول الأسهم" في هذه الصحيفة). هناك من قام بدراسة تأثير الفوز والهزيمة في كرة القدم على حركة الأسهم، منهم ثلاثة من الباحثين في جامعة تركية قاموا بمتابعة نتائج مباريات ثلاثة من أبرز الأندية في تركيا وحركة الأسهم التركية بعد تلك المباريات. في هذه الدراسة تبين أن مباريات واحد من هذه الأندية (نادي بسيكتاس) مقابل أندية أجنبية كانت لها تأثيرات ذات دلالة إحصائية قوية، ما يعني أن تأثير الفوز على نفسيات المشجعين كان كبيرا بشكل يكفي القول إن هناك علاقة. كما أن الباحثين وجدوا أن الهزيمة ليس لها تأثير كبير على حركة الأسهم وأرجعوا ذلك إلى كون هزيمة الأندية التركية مقابل الأندية الأجنبية أمر متوقع فلا ينتج عن ذلك أي تأثيرات سلوكية، بعكس الفوز. أما الباحثون في البنك المركزي الأوروبي فقد وجدوا من خلال دراسة أداء 15 بورصة دولية أثناء مباريات كأس العالم عام 2010 أن هناك تأثيرات واضحة لنتائج المباريات، حيث كان هناك هبوط في حجم التداول بنسبة 45 في المائة أثناء المباريات المهمة، ترتفع إلى 55 في المائة عندما يلعب المنتخب الوطني. وأشارت دراسة أخرى قام بها بنك غولدمان ساكس منذ عام 1974 أن أداء البورصة التي يفوز منتخبها في مباريات كأس العالم تتفوق على أداء البورصات العالمية بنسبة تصل إلى 3.5 في المائة. تُلعب هذه الأيام مباريات كأس آسيا في أستراليا، ويشارك فيها المنتخب السعودي، وهذه فرصة جيدة لاختبار صحة هذه الفرضية، خصوصا أن المباريات تلعب أثناء فترة التداول في المملكة نظرا لاختلاف التوقيت بين المملكة وأستراليا. أول مباراة لعبت كانت يوم السبت فلم يكن هناك تداول، ولكن في اليوم التالي ارتفع المؤشر بنسبة 1.9 في المائة، بينما كان المنتخب خاسرا 0/1 أمام الصين، فربما لم تنجح الفرضية في هذه الحالة، أو ربما للأداء المقنع للمنتخب دور في ذلك! أما المباراة الثانية فكانت يوم الأربعاء وفاز فيها المنتخب بنتيجة كبيرة 4/ 1 أمام كوريا الشمالية وارتفع المؤشر بنسبة 0.71 في المائة، ولعب المنتخب مباراة مهمة يوم الأحد الماضي وكانت وقت التداول وجاءت نتيجتها قاسية على المنتخب، وعلى الرغم من ذلك أغلق المؤشر مرتفعا ذلك اليوم. طبعا من الممكن للمهتم دراسة تأثير النتائج على بقية المنتخبات لاكتشاف مدى صحة هذه النظرية، إلا أن المؤكد أن الشعور الإيجابي لدى المتداولين يؤثر بالإيجاب على تصرفاتهم ومدى تقبلهم للمخاطرة، حتى وإن لم يصدق ذلك في كل مرة. هل من جدوى لطرح أندية كرة القدم للاكتتاب والتداول؟ هناك عدد من الأندية العالمية المدرجة في البورصات، منها أندية إيطالية مثل روما ويوفنتوس ولاتسيو والألماني بوروسيا دوتموند والإنجليزي مانشستر يونايتد. هذا الأخير بلغت مبيعاته عام 2014 نحو 740 مليون دولار بصافي ربح بلغ نحو 40 مليون دولار. يحقق النادي مبيعاته من أعمال تجارية متعلقة بعلامته التجارية والرعاية والملابس والمنتجات وخدمات المحتوى والاتصالات، تمثل في مجملها نحو 44 في المائة من المبيعات. ويحقق النادي نحو 31 في المائة من مبيعاته عن طريق البث التلفزيوني و25 في المائة من تذاكر المباريات. ولقد كان في وقت سابق هناك أكثر من 25 ناديا إنجليزيا مدرجا في البورصات إلا أن معظمها فشل في تحقيق عوائد مجزية لملاكها، فخرجت جميعها عدا أربعة منها بقيت حتى الآن. هل حان الوقت لإدراج أي من الأندية السعودية في السوق المحلية؟ ربما ولكن عليها أولا أن تتحول إلى شركات مساهمة وبناء نماذج تجارية مميزة لها، ومن ثم قد يكون هناك فرصة لها للاستفادة من الشعبية الكبيرة لكرة القدم في المملكة. هناك تشابه بين الأسهم وكرة القدم، فكلاهما يحظى بشعبية كبيرة في المملكة، ويمكن تشبيه فترة التداول على أنها مباراة بين المشترين والبائعين تنتهي بفوز فئة على الأخرى، كما أن هناك دراسات علمية جادة تدرس تأثير نتائج المباريات على حركة الأسهم، وهناك أندية كرة قدم تم تحويلها إلى شركات وتم إدراجها في بورصات الأسهم.