الاقتصادية - السعودية تكتسب جودة بيئة العمل الداخلية للشركات والممارسات العمالية أهمية قصوى. ويركز خبراء الاستدامة في نظريتهم الكلاسيكية أن استقطاب أفضل المواهب وإبقاءها إحدى أهم الفوائد العائدة على الشركات جراء التطبيق الصحيح للاستدامة. إلا أن هذه النظرة تطورت بشكل كبير وتعزز الرابط بين جودة بيئة العمل وتطبيق أفضل الممارسات العمالية من جهة وإنتاجية المنظومة ككل من جهة أخرى. وتعتبر البيئة التي تتواجد فيها الشركة من أبرز مشكلات هذه العلاقة. فالعلاقة مثلا بين الموظف والشركة في دول جنوب شرق آسيا هي علاقة شراكة غير مكتوبة إذا جاز لنا التعبير، إذ تتعزز في هذه الدول ثقافة روح الفريق الواحد أو الكل من أجل المنظومة. لذلك ليس من العجب أن ينحاز عديد من مختصي التنمية لنماذج الشركات الجنوب شرق آسيوية بشكل عام واليابانية بشكل خاص، كنماذج تنموية مستدامة قادرة على تخطي التحديات التشغيلية المتزايدة الصعوبة. ذلك أن الفكر السائد في تلك الدول هو فكر القارب الواحد، فإما نجاة الكل أو حصول ما لا تحمد عقباه، فيشعر الموظف بالقيمة الكبيرة له داخل المنظومة ويتعزز ولاؤه لها، وبالتالي تزيد إنتاجيته بشكل كبير وملحوظ. ولأن الاستدامة رحلة ليس لها نهاية، فهناك دوما مساحة للتحسن والتطوير بما يتعلق بالممارسات العمالية. ولنأخذ على سبيل المثال شركة "نايك"، التي واجهت انتقادات واحتجاجات عمالية كبيرة بسبب عدم ملاءمة بيئة العمل وفقدها أبسط عناصر السلامة، انخفاض الأجور بشكل كبير مقارنة بمتوسطات الأجور في الصناعة نفسها في ذلك الوقت، وعدم احتساب ساعات العمل الإضافي. ورغم أنه من الواضح أن الشركة كانت تهدف من هذه الممارسات وغيرها إلى تحسين ربحية الشركة وبالتالي تعزيز قيمتها السوقية وإرضاء مساهميها، إلا أن تنفيذيي الشركة في ذلك الوقت تناسوا تماما أن ممارساتهم الهادفة إلى إرضاء المساهمين قد تكون هي ذاتها مصدر تدهور قيمة استثمارات المساهمين. وقد علق عليها أحد التنفيذيين فيما بعد قائلا: "إن الشركة مرت بتحد كان من الممكن أن ينعكس سلبا على مسيرة الشركة". بعدها قامت الشركة وعلى مدى ال 15 عاما الماضية بتغييرات جذرية بما يخص ممارساتها العمالية، وحاليا فإن الاستدامة تندرج تحت إدارة تسمى ب "مسؤولية الشركات"، كما تعاونت بشكل كبير مع الاتحادات العمالية بما يخص المطالب المشروعة لموظفيها، وقامت بإدراج رضا الموظفين ضمن مؤشرها الداخلي للاستدامة والذي يشمل عديدا من المعايير البيئية والاجتماعية والعمالية، إلى جانب معايير متخصصة عن الموردين ومدى التزامهم باعتبارات الاستدامة. وتشمل أفضل الممارسات تواجد قوى عمالية متنوعة من ثقافات متعددة، المزايا الوظيفية، مستوى الأجور بالنسبة للمتوسط في القطاع ذاته، برامج التطور والتدرج الوظيفي، والمساواة في الفرص الوظيفية. وبالنظر إلى حالة تطبيق أفضل الممارسات العمالية محليا، نجد أن عديدا من الشركات ما زالت بعيدة كل البعد عن تطبيق حتى الحد الأدنى من المتطلبات. فمثلا التأمين الصحي للموظفين والذي يعتبر إلزاميا على جميع الشركات، لا يمنحه عديد من الشركات لموظفيها، ومع الأسف وفي ظل غياب الإحصاءات من قبل الجهات التشريعية فإنه من الصعب الوقوف على حجم المشكلة وأبعادها. ويعتبر عدد القضايا المقدمة إلى مكاتب العمل المحلية أكبر دليل على وجود مشكلة جوهرية تتطلب معالجة سريعة. وفي المقابل، فإن عديدا من الشركات الكبرى بدأ منذ سنوات في برامج متخصصة لاستقطاب الموظفين في سن مبكرة (بعد الثانوية في بعض الحالات)، وتزويدهم بالمهارات المطلوبة لدخول الشركة، ومن ثم التطور الوظيفي المستمر داخليا طوال عدد سنوات خدمة الموظف داخل الشركة، وتقوم الشركة بتزويد الموظف إضافة إلى الحد الأدنى من المزايا الوظيفية، بمزايا أخرى مثل الاشتراك في برامج الشركة لتملك المنازل، برامج الادخار الداخلية، وعديد من المزايا الأخرى. وهنا يشعر الموظف بالانتماء للمنظومة وتزيد فرصها في إبقاء أفضل المواهب. ختاما، فإنه في ظل تزايد التحديات صعوبة فإن الحل لن يكون إلا بوجود الموظفين القادرين على مواجهتها، وهؤلاء وإن كان لديهم الاستعداد للنجاح فإن صياغتهم ووضعهم على طريق النجاح يكون عن طريق برامج الشركات الناجحة.