الاقتصادية - السعودية تحدثت في مقالي السابق عن التحكيم السعودي وعنوان المقالة كان "نظام التحكيم السعودي.. والعقبات المحتملة!"، في العدد رقم (7724) وتاريخ 4/12/2014م. وكانت إحدى العقبات المحتملة والمذكورة في المقال هي تنفيذ أحكام المحكمين، حيث وجدت اهتماما بالموضوع من بعض الإخوة الزملاء لذلك اتخذت من هذه العقبة المحتملة موضوعا للتحدث عنه في هذا المقال، خاصة مع شح الدراسات النقدية في هذا المجال. وقد حضرت عددا من الندوات المقامة في السعودية، وكان أغلبها يصف النظام بالمنقذ والكامل والمنهي لكل مشكلة كانت في السابق، مع موافقتي لإيجابية النظام، لكن لدي بعض التخوف المتعلق بجانب الممارسة. لنتحدث الآن في جوهر الموضوع بسؤال مهم: هل نظام التحكيم السعودي الجديد سيعالج المشكلات المتعلقة بتنفيذ أحكام المحكمين في السعودية؟ من الناحية الشكلية وظاهر نصوص نظام التحكيم (1433ه) وكذلك نظام التنفيذ (1433ه)، فإن هناك توجها جادا وإيجابيا لجعل هذه المشكلة من الماضي. المادة (52) من نظام التحكيم الجديد أشارت إلى أن الحكم يجب أن يحوز على حجية الأمر المقضي به وأن يكون واجب النفاذ، وهذا تطور إيجابي كبير لم يكن موجودا في النظام القديم، وكان القضاء يمارس سلطته الرقابية بتوسع على الأحكام التحكيمية الصادرة، ولا يحوز الحكم على حجية الأمر المقضي به إلا بعد اعتماده من المحكمة المختصة، رغم أن هذه الرقابة المتوسع فيها لم تنص عليها صراحة في نظام التحكيم السابق. وقد وضع النظام شروطا محددة لتنفيذ قرار المحكم، منها ضرورة انقضاء ميعاد رفع دعوى البطلان والمحددة بفترة (60) يوما، المادتان (51) و(55). ويشترط النظام لأجل تنفيذ حكم التحكيم عدم معارضته لأي حكم أو قرار من لجنة أو محكمة أو هيئة لها ولاية الفصل في موضوع النزاع في السعودية، وأهم هذه الشروط هو عدم مخالفة القرار لأحكام الشريعة الإسلامية أو النظام العام بالمملكة، المادة (55). هذا إضافة إلى تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل وذلك لتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، وهذا يعني أن محاكم السعودية لا تقبل تنفيذ حكم لدولة أجنبية إلا إذا كانت محاكم الدولة الأجنبية تقبل تنفيذ الأحكام السعودية. هذا إضافة إلى أن على طالب التنفيذ أن يقدم طلب التفيذ مرفقا معه كل المستندات المطلوبة والمذكورة في النظام، المادة (53). جدير بالذكر أن النظام الجديد قدم نقلة إيجابية بشأن تحديد أسباب البطلان، المادة (50)، وهذا ما يعد تطورا إيجابيا ملموسا حيث يتوافق النظام الحالي مع المبادئ العامة للتحكيم الدولي، ويقطع سبل تعطيل تنفيذ الأحكام لأسباب خارجة عن ما هو محدد في النظام. وذكر النظام عبارة في غاية الأهمية في المادة (50) والفقرة (4) عند ما ذكر أن المحكمة المختصة – محكمة الاستئناف - تنظر في دعوى البطلان دون أن يكون لها فحص وقائع وموضوع النزاع، وكانت الممارسات السابقة تحت النظام القديم تظهر أن لقاضي الدرجة الأولى من المحكمة المختصة فحص وقائع وموضوع النزاع، وذلك رغم سكوت النظام السابق عن هذه الجزئية. هذا أدى إلى تأخير وتعطيل إجراءات تنفيذ الأحكام التحكيمية، وجعل التحكيم درجة إضافية تسبق إجراءات التقاضي مما جعل أطراف النزاع يفضلون التوجه للقضاء رغبة في سرعة إنهاء النزاع، وهي الغاية التي كانوا يلتمسونها باختيار التحكيم. وقد اشتهرت قضية (جداول ضد أعمار) باعتبارها من القضايا التي تمت مناقشتها بكثرة في المقالات الأكاديمية الأجنبية لتوضيح مدى غموض التحكيم في السعودية لدى الأجانب. في تلك القضية قامت الدائرة التجارية الثانية في ديوان المظالم بإلغاء الحكم الذي أصدرته هيئة التحكيم المُشكلة من ثلاثة محكمين. واستخدمت هذه القضية عدة مرات كمثال لعدم وضوح مصير تنفيذ الأحكام في السعودية، وتميزت هذه القضية بأنها تمت تحت إجراءات نظام التحكيم السعودي وداخل إقليم السعودية، أي أن الحكم وطني ورغم ذلك ألغي الُحكم من قبل القضاء السعودي، وكان الاستفسار الدائم في المقالات الأجنبية عن مصير الأحكام الأجنبية، إذا كان هذا الحال في حكم التحكيم الوطني. وبخصوص تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية في السعودية، فقد صدر نظام التنفيذ السعودي بالمرسوم الملكي رقم (53) وتاريخ 13/8/1433ه، وبهذا الخصوص ألغت المادة (96) من نظام التنفيذ اختصاص ديوان المظالم في التنفيذ، وكان صاحب الاختصاص لفترة طويلة لتنفيذ الأحكام القضائية أو التحكيمية الأجنبية حيث نص على ذلك في الفقرة (ز) من المادة (13) من نظام ديوان المظالم. وبذلك فقد تم توحيد جهة التنفيذ في التحكيم بالنسبة للحكم التحكيمي الوطني أو الأجنبي، وجعل اختصاصها لدى دوائر التنفيذ في المحاكم العامة- المادة (8)، ويجب أن تذيل أحكام المحكمين بأمر التنفيذ من أجل إن تقبل- المادة (9) فقرة (2)، وتمت الإشارة إلى قاضي التنفيذ المختص بتنفيذ الأحكام الأجنبية، المادة (14)، وهذا ما يوضح زيادة الاهتمام من قبل المُشرع بتحديد قاض متخصص في تنفيذ الأحكام الأجنبية. وفي حالة تضمين حكم التحكيم أي مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية فإنه لا يتم التنفيذ للجزء المخالف، المادة (9) فقرة (1) من لائحة التنفيذ. وهذه نقطة إيجابية تحسب لمصلحة التشريعات الجديدة، حيث يعلم المُطلع على إجراءات تنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية في السعودية للفترة السابقة أن الحكم لا ينفذ بمجمله لو تضمن جزءا بسيطا يمثل مخالفة للشريعة الإسلامية. على سبيل المثال كانت بعض الأحكام الأجنبية متضمنة الفائدة Interest وهي تمنح للطرف المتضرر نتيجة حبس المبلغ من قبل الخصم لفترة طويلة، وهو أمر متعارف عليه في ممارسات التحكيم الدولية. جدير بالذكر أن ديوان المظالم قبل عام 1995م كانت ممارسته إيجابية في هذا الخصوص، وهو تنفيذ الحكم دون الجزء المخالف للشريعة، لذا نعتقد أن نظام التنفيذ حسم الأمر بنص واضح يمنع فيه الاجتهاد، وخطا خطوة إيجابية في هذا الصدد. ونكتفي بهذا العرض، ولا نرغب في التطويل في الشرح، لكن هذا الموضوع يحوي في جعبته الكثير من المسائل التي ما زالت عالقة ومحلا للنقاش، ولعلنا نستعرضها مستقبلا. نحن في انتظار ما تسفر عنه الممارسات المرتبطة بالتحكيم وتنفيذ الأحكام التحكيمية، ونأمل إيجاد آلية لنشر الأحكام التحكيمية مع حفظ جانب السرية والخصوصية وأخذ موافقة الأطراف، فهي الأساس إذا كانت هناك رغبة في تطوير الدراسات والبحوث في هذا الجانب، وتقييم الممارسات الحالية واقتراح الحلول المناسبة.