هنا صوتك الهولندية هذا العنوان هو التطور الطبيعي في عصرنا هذا لعبارة البكاء على اللبن المسكوب، هكذا تقولها صديقة لصديقة من باب ادعاء الثقافة واستخدام المأثورات من العبارات الفخمة باللغة الفصحى، ولها مأثورة أخرى فهي تقول مثلا بصدر رحم، وتقصد بها صدر رحب، الى جانب عبط التاريخ وتقصد بها عبق التاريخ، تضخم الجبل فولد فأرا، يتلاشى العيوب، إلخ من العبارات التي شاعت بين المتحذلقين خريجي تعليم مبارك المشوه. بعد براءة مبارك ستستخدم هذه العبارة كثيرا، براءة مبارك هي نتيجة اللبن المسكوب على مدار أربع سنوات، والحقيقة أنا لا أرى ضررا من البكاء، وأشجع الناس عليه، من باب التفكر والتذكر والتدبر فيما هو آت، وليس من باب الانهزامية والخضوع، ويا بخت من بكاني وبكي عليا ولا ضحكنيش وضحك الناس عليا. فطبيعي أن تكون هناك أخطاء في إجراءات قضية مبارك، وأن تضيع الأدلة ويختفي الشهود وتتوه الحقائق وتطمس عمدا، فلنتذكر سويا من الذي ألقى القبض على مبارك؟ شرطة مبارك، بأوامر من نيابة مبارك، ليمثل أمام قضاء مبارك، وليس الثوار كما حدث مع تشاوشيسكو والقذافي ونيكولاي الثاني وماري أنطوانيت، فما الذي منع الثوار من إلقاء القبض على مبارك؟ جيش مبارك الذي حمى الثورة وحمى قصر الاتحادية ونقل مبارك في هليكوبتر إلى شرم الشيخ، والمركز الطبي ومستشفى المعادي، بينما أغلق الطرق حول القصر بالأسلاك الشائكة ووجه أسلحته الى صدور الثوار تهديدا لمن يحاول اقتحامه. لو كانت الأمور بيد الثوار لاختلفت النتائج، لكن الثورة كانت تعج بالخونة من الداخل، فهناك من هتف الجيش والشعب إيد واحدة، وهناك من أصر على تسليم الوثائق التي غنمها الثوار من مقرات أمن الدولة إلى الجيش، وهذا الدور قام به الإسلاميون تحديدا بدون مواربة، أوجه إصبع الاتهام لهم مباشرة، لتختفي بعد ذلك تماما، فالقصر والداخلية ومقرات أمن الدولة تحوى كل الوثائق والتسجيلات والتجهيزات الكافية لإدانة نظام مبارك بالكامل وأكثر، توثيقا لانتهاكاتهم وتجسسهم وعمالتهم وسرقاتهم وصفقاتهم، على حساب مستقبل هذا الشعب وموارده. لا ثورات تنجح بدون تطهير الشرطة والقضاء بل والجيش أيضا، وهذا ما نادينا به من أول يوم، لكن الأصوات المسموعة والمحببة على شاشات فضائيات رجال الأعمال، والتي ثبت سوء نواياها نحو الثورة فيما بعد، كانت الأصوات الطرية، أصوات حلول الوسط، أصوات الصفقات، والجلسات السرية، مع المجلس العسكري، بداية برجال الأعمال اللي كانوا بيمولوا الميدان باليفط والخيم والسندوتشات والكلوتات، مرورا بالشباب الطاهر بتاع ائتلافات شباب الثورة اللي كان بيتشخط فيهم في الجلسات من الضباط وبيتعاملوا معاملة العيال أم بامبرز، وصولا إلى الإسلاميين مقابل سنة واحدة من الحكم يدفعون ثمنها غاليا الآن. الثائر الحقيقي نادى باستقلال القضاء في المعركة الشهيرة عام 2006، بعكس الكذب الذي يدعيه الزند من أن النشطاء كانوا يجتمعون في نادي القضاة من أجل تسييس القضاء، كل من عاصر تلك الفترة يعرف أننا إعتصمنا خارج النادي ولم ندخل النادي ولا حتى لاستعمال التواليت، وأن المعتصمين قبض عليهم ونكل بهم لمدة شهرين في السجون ولم يتدخل نادي القضاة، الثائر الحقيقي نادى بتطهير الداخلية من المتورطين في السرقة، والتعذيب، والجريمة المنظمة، الثائر الحقيقي نادى بمحاكمة قيادات المجلس العسكري، لا إعطائهم ميداليات كما فعل مرسي ولا بناء مسجد على مساحة 17 فدان كما فعل السيسي مع طنطاوي. الثائر الحقيقي نادى بهدم ماسبيرو، وإلغاء وزارة الإعلام وإعلام الدولة، وهي الأدوات التي تستخدم لقمع الثورة الآن، الثائر الحقيقي نادى بتغيير قوانين البث الإذاعي والتلفزيوني في مصر لتخرج من احتكارات الأمن والبيزنيس المتواطئ مع النظام، لكن لم يستمع له أحد، كان صوته مكروها مذموما، فضلت الدولة العميقة إظهار أصوات أخرى أكثر لينا ومهاودة، الثائر الفشينك قرر الاستفادة بإصدار صحف وفضائيات وتسقيعها وبيعها بنفس قواعد عهد مبارك ولا يخفى عليكم أمر أبو حمالات. دعوني أخبركم قصة سمعتها مؤخرا لتعرفوا ما كان يجري في مطبخ الثورة بعيدا عن الميدان وعن الإنترنت والثوار الحقيقيين، إنها قصة وثيقة السلمي، هذه الوثيقة هي من إنتاج المجلس العسكري مائة بالمائة، اختاروا لها تهاني الجبالي لتتصدر لإقناع الثوار بها، وقام بالوساطة ممدوح حمزة حيث دعا عدد محدود من شباب الائتلافات أحتفظ بأسمائهم جميعا وأتحدى أن يكذبوا تلك الواقعة، دعاهم إلى لقاء تهاني الجبالي بمكتبه بفيلا هدى شعراوي بشارع ابن مروان، بالمناسبة بعضهم مسجون الآن، حرص ممدوح حمزة الذي كان يتصرف كولي أمر الثوار على اختيارهم من النوعية التي تقبل بالحلول الوسط، أو قليلي الخبرة، واستبعد منهم اليساريين وخصوصا الاشتراكيين الثوريين والإسلاميين والمدونين وأي ثائر راديكالي النزعة. عرضت تهاني الوثيقة عليهم وكانت حريصة أن لا تخرج أي نسخة من الاجتماع، معظم الشباب رفضوا البنود الأخيرة في الوثيقة البند العاشر والحادي عشر، والتي تعطي الجيش ميزات فوق دستورية، أصرت تهاني أن يقبلوها وهددتهم: سنعرضها على الإسلاميين وسيقبلون بها، وسيحذفون بنود مدنية الدولة وحقوق الأقليات وهذا الأمر لا يهم الجيش، فالجيش فقط مهتم بالبنود الأخيرة وهناك إصرار على تنفيذها. فشل الاجتماع، وكتم الشباب سر هذا الاجتماع الذي يوضح بشدة نوايا التآمر من قبل المجلس العسكري على الثورة، ونيتهم عقد صفقة مع الإخوان، وهو الأمر الذي يؤلمني بشدة لأنه كان من حق جميع الثوار معرفة هذا الأمر، وتلك النوايا مبكرا، لكن هذه المجموعة الصغيرة تصرفت بشكل منفرد وأناني وأكاد أقول خياني، وعادت الوثيقة للظهور مرة أخرى باسم السلمي وهو لا ناقة له فيها ولا جمل، لتتضح الأمور فيما بعد وندرك أن الإخوان رضوا بالخيانة وأتموا الصفقة. وهذه واحدة من كثير من القصص التي لا نعرفها عن خبايا وخيانات حدثت داخل الثورة والتي أدت إلى النتيجة التي نبكي عليها الآن.