أحمد عبدالله عاشور عكاظ - السعودية نعت بالجنون والتهور والطيش، وألبست جميع ألقاب اللامبالاة والسفه والتبذير، ولم يتبق سوى الحجز على أموالي وتعيين وصي على تصرفاتي وأعمالي.. وكل تهمتي أني قمت بشراء قطعة أرض في منطقة الناقورة جنوبلبنان إبان الاحتلال الإسرائيلي لها وجيش الجنوب سنة 1999. وصفها البعض بالمغامرة وتعريض نفسي وأموالي للخطر والضياع. ومن خلال اطلاعي الواسع على قانون العقار اللبناني وإلمامي بتفاصيله وإجراءات التعامل معه، وأهمها التوثيق وحماية الممتلكات من جهة حكومية واحدة، وذلك منعا للازدواجية وتحديد المسؤولية مهما طال الزمن أو تغيرت الحكومات والأشخاص.. على أن يسري ذلك على الجميع بدون تمييز أو محاباة.. كان ذلك مما دفعني إلى الوثوق بهذه القوانين وشجعني على تحدي الجميع وتحمل المسؤولية، ولم أتردد لحظة، بل غامرت بمعظم ثروتي مقابل ثقتي في تلك الأنظمة.. واشتريت عقارا كبيرا يقع ضمن الجزء المحتل من قبل جيش لبنانالجنوبي ويقع تحت سيطرة الإسرائيليين.. كسبت الرهان، وفي خلال بضعة أشهر ارتفعت قيمة هذه العقارات وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى بعتها بأضعاف قيمتها وجنيت بحمد الله نتيجة ذلك خيرا كثيرا.. ولم أجد أي صعوبة إطلاقا في تسجيل وإعادة بيع تلك الأرض بالرغم من وضع المنطقة المرتبك.. إن النظام اللبناني لديه سجلات وخرائط موثقة لجميع الأراضي اللبنانية يحدد بها كل عقار وكل شجرة.. ومن يقوم بقطع أي شجرة حتى لو كانت ضمن أملاكه بغير تصريح يجازى بغرامة كبيرة بالإضافة لتكليفه بزرع عشر شجرات تعويضا عما اقترفه. تذكرت هذا عند متابعتي لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين بإعادة مئات ملايين الأمتار المربعة من الأراضي التي استولى عليها آخرون بغير وجه حق بينما حرم آخرون من بضع عشرات من الأمتار. أدركت بأن سيف الحق يعلو ولا يعلى عليه وأن العدل يأخذ مجراه مهما طال الزمن أو حاول خفافيش الظلام التحايل عليه. استعرضت أمامي آلاف القضايا التي تعج محاكمنا بها.. صكوك مزيفة.. أو مزدوجة لأراضٍ أو عقارات واحدة، وقد تتكرر عشرات صكوك التملك لعقار واحد وبعضها يصدر من نفس الجهة وقد يكون من نفس القاضي.. أشغلت الشكاوى والقضايا جميع أجهزة ومسئولي الدولة وأخذت من جهودهم ووقتهم الكثير.. ضاعت حقوق آلاف المواطنين ممن لا حول لهم ولا قوة ولا واسطة.. تكسب البعض بطرق غير مشروعة.. ومنهم بعض أفراد الجهاز القضائي الذين كانوا وراء هذه المخالفات ويتحملون المسؤولية الأولى عنها. ولست هنا أوجه أصبع الاتهام إلى النظام القضائي من حيث هو، فذلك أمر يخالف قناعاتي الشخصية، والتي تؤمن بأن نظامنا القضائي الذي يقوم في أساسه وجميع تفاصيله على مبادئ شريعتنا السمحة ويمثل حصنا منيعا أمام أطماع الطامعين ومحاولات المنتفعين.. إلا أنني لا أنزه البعض في هذا الجهاز عن التقصير بقصد أو غير قصد في حمل هذه الأمانة.. ولا أبرئ من قام باستغلال منصبه وصلاحياته وتوظيفها لتحقيق مصالح وأغراض شخصية تحت ستار ومظلة الأحكام الشرعية.. إنني من خلال تعاملي اللصيق الوثيق وإطلاعي المباشر أعلم تماما أن بعضهم لا يتورعون عن ارتكاب مخالفات جسيمة تحقيقا لمصالح شخصية بطرق مختلفة وإذا ضبطوا بالجرم المشهود استعانوا بأساليب ملتوية لا يمكن قبولها من أي إنسان عاقل؛ مثل تأثير السحر عليهم أو عدم أخذ كفايتهم من النوم أو تعرضهم لمس من الجن وغير ذلك من الأعذار الواهية.. إننا يجب أن نكون صادقين وجادين مع أنفسنا إذا أردنا إصلاح الحال والقضاء على هذه الظواهر السلبية.. وهذا يتطلب الإصغاء لصوت العقل والمنطق، وذلك بوضع قانون مدني وإنشاء سجلات موثقة وخرائط واضحة وأرقام لمواقع الأراضي والعقارات، بحيث لا يمكن بأي حال إعطاء أي وثيقة إلا من خلال هذه السجلات عن طريق الأمانات.. عندها لا يمكن إطلاقا تكرار إصدار أي وثيقة على نفس الأرض والموقع ومنع الاستحكامات المضللة.. خاصة أننا في عصرنا الحاضر نملك إمكانيات أوسع وأدق وأشمل لرصد المواقع من خلال نظام GPS تصل دقتها إلى السنتمترات ونظام مكتشف الخرائط الفضائية الذي يزودنا بمعلومات قديمة وحديثة وأي تغييرات في المواقع بشكل دوري، وهذا يساعد جدا على اكتشاف أي تعديات أو مبانٍ حديثة خلال دقائق.. فلماذا لا نطبق مثل هذه الأنظمة التي لن تكلف الدولة شيئا يذكر مقارنة بما يتم صرفه إضافة إلى حل كثير من مشاكل العقارات واستغلال ذوي النفوس الضعيفة لها. وأخيرا وليس آخرا، أرفع أسمى آيات التقدير والإعجاب والمحبة لخادم الحرمين الشريفين على أوامره الجريئة ووقفته الشجاعة في وجه الظلم والفساد وحرصه على إحقاق العدل بسيف الحق. وفقه الله لكل خير وحماه من كل شر وجعله ذخرا لهذه البلاد وللمسلمين أجمعين.