الوطن - السعودية عيد الهالووين كما قرأت عنه أو "عيد القديسين"، هو احتفال يقام ليلة 31 أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام. ويعد هذا اليوم يوم احتفال وبشكل خاص في الولاياتالمتحدةكندا أيرلندا وبريطانيا وأجزاء أخرى من العالم، وتعود جذوره إلى أيرلندا، وامتدت إلى إقامة مهرجان السلتيك في سامهاين. وصدف أن موعد "الهالووين" يأتي مع احتفال المسيحيين بعيد يوم جميع القديسين، ويعتبر اليوم احتفالا عالميا تغلق الدوائر الرسمية في الدول الغربية وغيرها أبوابها للاحتفال به، وتشتمل على أنشطة مرافقة لعيد الهالووين كالخدع، وارتداء الملابس الغريبة والأقنعة، وتروى القصص عن جولات الأشباح في الليل، وتعرض التلفزيونات ودور السينما بعض أفلام الرعب. وبعد انتشار مقطع على الفيديو يظهر فيه مشاركة عدد من الشباب السعوديين المبتعثين في الاحتفال، وهم يتجولون في إحدى المدن الأجنبية، وأحدهم يرتدي "بشتاً" ويضع قناعاً يغطي وجه، ويعتمر "الشماغ"، ويجول بين الحاضرين والحاضرات، ويرافقه عن يمينه وشماله شابان يرتديان زياً أحمر، وكان الشاب كما ورد في الفيديو يردد بصوت عال: "ممنوع الاختلاط الله يجزاكم خير، ابتعدوا عن البوابة"، ممثلاً دورا لرجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث ينتشرون في الأسواق في وطني، حتى تساءلت: ترى ما هي العلاقة الطردية بين الشباب وبين رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ هذا كان سؤالي وما أن شاهدت الفيديو القصير، الذي يظهر إلى جانب ذلك شباب قد تنكروا بزي مقاتلي "الدولة الإسلامية" داعش، حيث ظهر البعض منهم وهو يلف أحزمة ناسفة، ووضع قنابل يهدد برميها على المارة، على أمل إخافة المارة في الشوارع، ولم تكن هذه التقليعة الوحيدة المستوردة من الواقع العربي أو ماضيه، فقد كانت صورة الرجل العربي الغني أيضاً حاضرة، وتمارس دورها في التفاخر والتباهي بالثراء الفاحش، فيما قام بعضهم بمحاكاة مشاهد سبي النساء من الشوارع، واستعراضهم أمام المارة في طوابير ممتدة، وظهر البعض منهم وللأسف -لم أشاهد ذلك بنفسي ولكن كما ورد في الصحف- من قام بتمثيل دور الرجل العربي الذي يقوم بتوزيع المال والمفاخرة بما يملكه من نفط وسيارات فارهة، مع أنه هناك آية عظيمة تقول "وأما بنعمة ربك فحدث"، والمباهاة من طبيعة البشر، وإلا لما وجدنا عدداً من كبار فناني هوليوود وهم يصرفون الملايين على أعراسهم وحفلاتهم الباذخة، إذاً المباهاة ليست قاصرة فقط على الرجل العربي النفطي، إنما هذه الصورة موجودة في كل مكان حول العالم، لكن الغيرة وما تفعله، تجعل الكثيرين يحسدوننا من بعد فقر مدقع عاشه أجدادنا إلى غنى ورفاهية، ولله الحمد على هذا الفضل والنعيم. ولنعود الآن إلى اللغط الذي دار حول مشاركة الشباب المبتعثين في "الهالووين"، وعلى الأخص حينما قاموا بتمثيل دور الهيئة، حيث استاء الكثيرون من السخرية من رجال دين لهم مكانتهم وهيبتهم في الشارع السعودي، لكن الحقيقة من وجهة نظري، أن ما قام به الشباب -وأشكر الله أنهم قد غطوا وجوههم- هو مجرد تفاعل مع مثل هذه الاحتفالات، وأنا متأكدة تماماً أنهم لم يكونوا يريدون السخرية، وأنهم قصدوا المشاركة بشكل مختلف ومتميز كما يفعل البقية. لكن الأهم من كل ذلك، على "الهيئة" أن تفكر طويلاً فيما خلفته من تصرفات جعلت الشباب من كلا الجنسين ينفرون من بعض تصرفات منسوبيها، من سلوكهم التشهيري، من اندفاعهم الكبير نحو إحقاق الحق من وجهة نظرهم، دون أن يسحموا للطرف الآخر بفهم مقاصدهم، لا بد "للهيئة" أن تكون مؤسسة دينية يحبها الصغير قبل الكبير، لا أن تتحول إلى مؤسسة تخيفهم وتبعدهم عن طريق الحق بسبب تصرفات بعض أفرادها، وما ظهر في الفيديو هو أمر واقعي جداً، ونشاهده بشكل يومي، لكن أظن أن بعض رجال هيئة الأمر بالمعروف ينقصهم الأسلوب، وطريقة تعاملهم التي يجب أن تعيد أوراقها من جديد، لكي تكسب الأجيال القادمة، التي لن تتحمل مطلقاً ما يقوم به بعض منسوبيها من استهزاء وسخرية بالشباب وإحراجهم أمام خلق الله. أذكر أن صديقة إعلامية إماراتية، كانت قد باحت لي برغبتها الكبيرة، بأن تكون في وطنها مثل هيئة الأمر بالمعروف، فتقول إنني أحسد السعودية على رغبة حكومتها وشعبها في الانضباط وخصوصاً من قبل بعض الأجانب، فوجود مثل هذه المؤسسة يعطي تلميحاً للأجانب الوافدين، بأن هناك حدوداً والتزاماً في هذا الوطن، وغير مسموح لأي شخص يأتي بثقافة مختلفة بأن يفرضها على المجتمع، وعلى الأخص فيما يتعلق بالاحتشام في الملابس، من الجميل أن أسمع مثل هذه الرغبة من أكثر من شخص، يرغب في حصر بعض التصرفات، لكن الأجمل لو جاء ذلك بطريقة أكثر رقياً وأكثر احتراماً للبشر، فهم بشر في نهاية الأمر، ولديهم كرامة واحترام وتقديس لأنفسهم، وليس من المفترض أن يأتي أحدهم تحت أي مسمى لإهانته أو تجريحه أمام الملأ. ومني إلى "هيئة الأمر": أتمنى أن يتطور الجهاز مستقبلاً إلى الأفضل؟