الاقتصادية - السعودية في عام 2005م كنت موظفاً في أحد البنوك السعودية، وكان توجه الجميع لدخول سوق الأسهم، والتي كانت ترتفع وكان الكل يربح وسعيد بأرباحه، إلا أنني لم أكن ذا خبرة علمية أو عملية في ذلك الوقت تؤهلني لدخول السوق، وكنت أتساءل بعد مراقبتي للسوق كيف لسهم كان يباع بقيمة عشرة ريالات قبل أشهر أن يباع بمائة ريال دون أي سبب منطقي سوى التداول. المهم أنني كنت أراقب السوق وسلوك المضاربين، وتحت ضغط البيئة المحيطة بي دخلت السوق بعشرة آلاف ريال، وهو أكبر مبلغ كنت على استعداد أن أغامر به دون أن تصيبني سكتة قلبية. وكنت أتبع استراتيجية نابعة من تحفظي الشديد – أو جبني الشديد – وهي أنني حددت هامش ربح 150 ريالا في اليوم، متى ما حققته خرجت، وكنت أشتري مع افتتاح السوق وأبيع قبيل الإغلاق، حتى لا أبيت إلا ومالي في جيبي. المهم أنني بدأت تداولي في السوق خلال شهر 4/2005م، وخرجت في شهر 11/2005م برأسمال قدره 24 ألف ريال، أي بربح 140 في المائة، وسافرت بعدها لإكمال دراستي في الولاياتالمتحدة، وقبل استقالتي لامني الكثير من الزملاء والأقارب والأصدقاء، وقالوا إنني سأذهب في الوقت الذي سيغتني فيه الجميع، وسأعود فقيراً مقارنة بغيري، إلا أن مغامرة الأسهم لم تغرني بقدر مغامرة السفر والعلم. وانهار السوق في شهر فبراير من عام 2006م. بعد عودتي من الولاياتالمتحدة متخصصاً في العلوم المالية أدركت كم كان معظم المضاربين يجهلون أبسط قواعد التعامل مع سوق الأسهم، وأدركت أن طريقتي التي اتبعتها في التعامل مع السوق كانت أنجى لي ولثروتي المقدرة بعشرة آلاف ريال. وأعتقد الآن أن انهيار 2006م قد علّم الناس الفرق بين المضاربة وبين الاستثمار، ولا أخفيكم أنني لا أميل أبداً لما يسمى التحليل الفني، لأنه لا يعتمد على قاعدة صلبة بل على قراءة سلوك السوق منحنيات، وهذا لا يعكس واقع السوق بشكل حقيقي. إن المضاربة في أسواق الأسهم بهذا الشكل الذي تم قبيل عام 2006م وقبيل إنهيار يوم الأحد الماضي هي أقرب للعبة الروليت، تعتمد على الحظ لا أقل ولا أكثر، والسؤال هنا: كيف يتعامل الفرد مع أسواق الأسهم؟ والجواب يكمن في تغيير أصل التوجه للسوق، فالمضارب هو مقامر، أما المستثمر، فإنه كمن يدير عملا خاصاً به، لا يضع أمواله إلا في المكان المناسب، أي في الشركات القوية، وهو الذي يضع معظم استثماره في القطاعات الكبيرة والقوية في السوق. وهذا لا يعني أن المستثمر لا يمنى بخسائر، إلا أن هدف المستثمر المتوسط (من سنة إلى ثلاث سنوات) أو الطويل (من ثلاث سنوات إلى سبع سنوات) يحميه من تقلبات السوق غير المتوقعة، مع الأخذ في عين الاعتبار تقييم السهم قبل شرائه، وانتهاز فرصة نزوله لقيمته العادلة أو أقل لشرائه، وهنا سيجني المستثمر المتوسط المدى أو الطويل المدى أرباح السهم التي توزع سنوياً أو بزيادة الأسهم أو بتقسيم الأسهم وبزيادة سعر السهم المنطقية، فتكون مخاطرته قليلة جداً إذا ما قورنت بمخاطرة المضارب. إن احتمال ربح المستثمر في سوق الأسهم أعلى بأضعاف من احتمال ربح المضارب، ودائما ما يكون سلوك المستثمر في التعامل مع السوق أقدر على التحليل واتخاذ القرار المناسب من المضارب. استثمر ولا تضارب، لأنك ستستثمر بعقلك وستضارب بقلبك، وبئس من غلب قلبه عقله.