يقول الملياردير العصامي وارن بافت -أغنى رجل في العالم عام 2009- وأحد أشهر مستثمري البورصة الأمريكية عبر التاريخ: (إنني لم أحاول أن أجني ثروة في سوق الأسهم، فقد كنتُ أشتري الأسهم على افتراض أن السوق قد يُغلق في اليوم التالي، ولا يُعاد فتحة إلاّ بعد 5 سنوات)، بالتأكيد أنها ليست مجرد «مقولة»، بل إستراتيجية طبّقها لنا أحد أفضل الخبراء في مجال التعامل مع أسواق الأسهم، والتي باتت متشابهة نوعيًّا في آلياتها وتطبيقاتها على مستوى العالم من حيث التداول، وأوامر البيع والشراء. قبل حوالى سبع سنوات تقريبًا، وقبل نكسة سوق الأسهم الشهيرة في فبراير 2006م بعدة أشهر، صرح المستشار المالي المعروف عبدالمنعم عداس لجريدة «الوطن» بتاريخ 13 سبتمبر 2005م قائلاً: (إن عنصر الخسارة جراء المضاربات السريعة قائم مهما تضخم حجم السوق، وزادت قيم الأسهم السوقية)، واستشهد حينها بعدد من الإحصاءات التي أشارت بأن 95% من المضاربين في أسواق المال في العالم يخسرون رؤوس أموالهم، وبالفعل تشير العديد من الدراسات بشكل مستمر ومتكرر حتى اللحظة بأن حوالى 80% من المتداولين حول العالم يخسرون أموالهم. أمر مؤسف حقًّا بعد كل تلك التحذيرات والنكسات التي تعرض لها سوق الأسهم، أن يعود صغار المستثمرين إلى الاندفاع مجددًا نحو التداول والمضاربات السريعة؛ سعيًا وراء الكسب السريع من دون إلمام عملي بأسس الاستثمار والتداول، وحتى بعض الخبراء الذين يستندون على البيانات المالية للشركات مثل حساب الأرباح والخسائر، والمركز المالي، وقوائم تغيير حقوق المساهمين، وقوائم التدفق النقدي، من الممكن أن يتسبّبوا في خسائر كبيرة محتملة، لأن هذه البيانات قد تشتمل على وجود أرباح ورقية وليست نقدية؛ بسبب توجه الكثير من الشركات نحو البيع الآجل، وبالتالي عدم وجود هذه الأرباح عينيًّا كسيولة نقدية في خزائن العديد من الشركات يضلل المستثمرين، ولا علاقة لها بسعر السهم الحالي. ولذلك يجب أن نقتدي بالتحذيرات التي أطلقها مؤخرًا رئيس الغرفة التجارية بجدة الأستاذ صالح كامل، بحكم أنه شخصية تجارية كبيرة، وله ثقل في المجتمع من خلال خبراته في مجال الاقتصاد، حيث صرح ل»المدينة» بتاريخ 26 مارس الماضي بأن (ما يجري حاليًا في سوق الأسهم سيؤدي إلى كارثة جديدة أشبه بما حدث في عام 2006م). ومن زاوية أخرى، لفت انتباهي المقال الذي كتبه الأستاذ عبدالمحسن البدر في جريدة الجزيرة بتاريخ 32 مارس الماضي تحت عنوان: «من يؤثر في سوق الأسهم؟»، والذي طالب فيه بإيجاد تنظيمات وتشريعات تساعد المتداولين على تحديد مستويات المخاطرة بدلاً من الاكتفاء بتحذير المواطنين، معتبرًا أن التشريعات والتنظيمات في الأسواق الأخرى حول العالم هي المفصل في تقليل مخاطرة المضاربات. ولكن على الرغم من ذلك، فإن الكثير من آراء الخبراء والدراسات تشير إلى أن عمليات المضاربة لصغار المستثمرين في أكبر البورصات العالمية مثل AMEX وناسداك الأمريكية لا تحمي صغار المتداولين من احتمالية الوقوع في خسائر فادحة، خاصة مع انجرافهم نحو الشركات الوسيطة والبنوك التي تقدم لهم تسهيلات مادية لغرض زيادة الأرباح عبر منهجية قوة الرفع (Leverage) وفقاً لحجم الهامش (Margin) المدفوع، وبالتالي من الممكن أن يدفع مستثمر بسيط مبلغ ألف دولار لتلك الشركات الوسيطة، وتدخله السوق المالي بمبلغ 100 ألف دولار، وهنا تتحول المغامرة إلى مخاطرة في أي سوق عالمي، ويجب أن نشير بأن هيئة سوق المال لدينا طوّرت لوائحها التنظيمية مؤخرًا بشكل لافت، واستطاعت خلال ثلاث سنوات فقط أن تقفز من المرتبة 64 في تنظيم الأوراق المالية إلى المرتبة ال16 على مستوى العالم، حسب تقرير التنافسية الصادر من المنتدى الاقتصادي العالمي. النصيحة الحقيقية التي نخص بها صغار المستثمرين -الشريحة الأكبر عدديًّا في سوق الأسهم- تم اختزالها في عنوان هذا المقال: (اشترِ السهم الأبيض لليوم الأسود)، وتم شرحها وربطها نسبيًّا بالحكمة التي أطلقها الخبير العالمي الملياردير وارن بافيت، والتي ذكرت في مقدمة هذا المقال، والقصد هو الاعتماد على الاستثمار طويل الأجل من خلال سياسة الاكتتاب في الشركات المساهمة عند طرحها، وبالتالي يحصل المستثمر على القيمة الاسمية والدفترية والسوقية من السهم بسعر زهيد، وكمية محدودة، وأقل غالبًا من سعر التداول، كما أنها تعطي فرصة للمستثمر محدود الدخل على الاكتتاب أيضًا لأسرته وأبنائه، وتضاف له الأحقية في الاكتتاب مجددًا عندما تزيد هذه الشركات رأسمالها، وتصرف له الأرباح مستقبلاً نقديًّا، أو على هيئة أسهم. هذه الإستراتيجية آمنة، وتؤتي أكلها على المدى البعيد، والتجارب الواقعية كثيرة لمن اكتتبوا في العقود الماضية في شركات محلية من مختلف القطاعات، سواء المالية أو المواد الأساسية، أو قطاع التكتلات، أو الرعاية الصحية، أو السلع الصناعية، وغيرها، ولو سئل الذين اكتتبوا في شركات مثل سابك، والبنك العربي، وصافولا، وطيبة، وغيرها، ولم يضاربوا، لوجدنا أنهم لم يتأثروا من تقلبات السوق، وحققوا منها المأمول وفق المنطق، وهي نفس الإستراتيجية التي انتهجها الملياردير وارن بافيت عندما اشترى أول أسهمه، وهو في الحادية عشرة، وقال بعد جمع ثروته: (اشترِ الأسهم عند الأزمات ولا تنشغل بمتابعة البورصة). وخاتمة القول.. (ليس خطأك أن تولد فقيرًا، ولكنه خطؤك أن تموت فقيرًا).. «بيل جيتس»، فالفرص الواعدة أمامنا طالما ننتقيها بواقعية وحكمة. @TrueFact76