اطلعت أخيراً على الكتاب الضخم الذي أصدره الكاتب والإعلامي السعودي عبدالعزيز الخضر بعنوان «السعودية سيرة دولة ومجتمع»، وكل من اطلع على فحوى ومضمون الكتاب لن يستغرب من كونه نال حظاً وافراً من النقاش والاهتمام من شريحة كبرى من المثقفين في الساحة المحلية، وذلك لأنه المحاولة الأولى اليتيمة لتقديم قراءة تحليلية وموضوعية موسعة، إضافة إلى السرد التاريخي والرصد الصحافي للتغيرات والتحولات في المجتمع السعودي على مدى ثلاثة عقود، وقام أخيراً كل من الكتّاب الدكتور عبدالرحمن الحبيب في مقال له يتكون من ثلاثة أجزاء تم نشر الأول منها، وكذلك الكاتب سعد المحارب، باستعراض شمولي لمحتوى وفصول الكتاب وبيان أوجه الإبداع والتميز لدى الكاتب، وكذلك ذكر بعض الملاحظات السلبية المنهجية التي وقع فيها المؤلف، وسأعرض في سلسلة من ثلاثة مقالات بعض الملاحظات التاريخية المنهجية التي وقع فيها الكاتب وقادته لبناء تصورات وتحليلات رأى البعض أن فيها تحريفاً وبتراً لبعض الحقائق والوقائع، وسأخصص أحد المقالات للحديث عن تجربتي الصحوية التي نشرتها في موقع «العربية نت» باسم مستعار هو عبدالعزيز العلي، التي تحدث عنها المؤلف ووجه إليها بعض الانتقادات والملاحظات في كتابه، وذلك في الوقت الذي كشفت فيه أخيراً عن تلك الشخصية في حوار تلفزيوني سيتم عرضه قريباً مع الإعلامي الدكتور سليمان الهتلان، أما هذا المقال فسيكون ملاحظاته متعلقة بالمرأة والصحوة. الملحوظة الأولى: أشار المؤلف إلى إحدى القضايا المهمة في كتابه وهي المعركة والحملة التي دارت حول رفض قرار دمج تعليم البنات بوزارة التربية والتعليم الصادر في 10 محرم 1423ه، إذ ذكر في «ص112»: «الأكثر إثارة في تلك الحملة هو عدم مشاركة دعاة الصحوة فيها»، وقال في «ص321»: «لم يطلق الاعتراض على قرار الدمج إلا قيادات الصف الثاني في تيار الصحوة»، التي تفيد وقوف رموز الصحوة موقف الحياد والصمت من تلك القضية، لكن الواقع أن أحد أهم رموز الصحوة وهو الشيخ ناصر العمر تولى زمام مبادرة المواجهة والاعتراض، إذ لم يمض يومان فقط على صدور المرسوم الملكي إلا وألقى محاضرته الشهيرة «خرق في سد مأرب»، التي استفتحها بمقدمة وصفها كثيرون بأنها كانت مؤثرة، وذلك حينما كرر ثلاثاً قوله «حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبي الله لا اله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، إنا لله وإنا إليه راجعون»، وقال بعد تلك المقدمة: «ماذا عساي أن أقول وبلادنا تمر بمحنة من أعظم المحن التي مرت بها في السنوات الأخيرة، وكان الإنسان يتمنى أن يلقى ربه قبل أن يرى ما تحقق على أيدي أولئك العلمانيين»، ثم سرد مجموعة من الآثار السيئة لقرار الدمج وعدد المهمات الواجبة على الشباب تجاه تلك القضية. وكذلك أشار المؤلف في سياق الموضوع ذاته إلى خطبة الشيخ محمد الهبدان الشهيرة المعروفة باسم «شهيدة العصر» للتدليل على نظرية اختلاف مراكز القوى حول الموقف من قضية الدمج بقوله «ص 322»: «كان غريباً للمراقب هو أن يفسح هذا الكاسيت من وزارة الثقافة والإعلام على رغم احتوائه على تهم واتهامات لوزير التربية والتعليم قد يحاسب عليها قضائياً»، وهو في هذا المقام يجتزئ نصف الحقيقة، إذ من المعلوم حينها بأن فسحاً إعلامياً للكاسيت صدر من وزارة الثقافة والإعلام، وبعد ذلك تم التشكيك في صحته في قصة لا شك أنه على إطلاع على تفاصيلها، كان من نتائجها إغلاق أبرز تسجيلات إسلامية في الرياض بحجة بيعها تلك الخطبة، وتم منع وسحب الشريط من التسجيلات الإسلامية كافة، وما زلت أذكر أن الرموز الحركية للتيار الصحوي تبنوا نسخ وتوزيع مئات الآلاف من الأشرطة الصماء لتلك الخطبة وتوزيعها عبر وسائط عدة بعد أن تم سحبها من الأسواق. الملحوظة الثانية: أراد الكاتب أن يبين أن ثمة فرقاً جوهرياً بين الرؤية الصحوية والتقليدية تجاه عمل المرأة، إذ قال ص340: «التيار الإسلامي تجاوز مشكلة عمل المرأة وخروجها للعمل بخلاف الرؤية التقليدية التي تُفضل بقاءها في المنزل»، وقال في ص 632: «الشيخ سلمان العودة نجح في تغيير قناعات تيار الصحوة تجاه عمل المرأة، وأنه كان الأكثر تسامحاً في خطاب الكاسيت». لكن المتابع للآراء الصحوية في تلك المرحلة يدرك تماماً التقارب الشديد بينها وبين الآراء التقليدية، بل إنهم أضافوا على الرؤية التقليدية التي كانت تنطلق انطلاقاً محضاً من النص الشرعي مزيداً من المسوّغات الاجتماعية والاقتصادية والآثار الناتجة من وجهة نظرهم عن عمل المرأة في الغرب، ولذلك طرح الشيخ سفر الحوالي في ندوة أخطار تهدد المرأة المسلمة تساؤلاً استنكارياً: «من الذي يدعو إلى أن تخرج المرأة، وإلى أن تشارك في بناء الوطن كما يقولون؟ المرأة أساساً حياتها في بيتها، وخير لها ألا ترى الرجال ولا يروها، هذه هي القاعدة ومهما حصل من ابتعاد وانحراف عنها تبقى القاعدة أن المرأة عملها في البيت، ودورها عظيم في إنجاب الأطفال، وفي تربيتهم، والرجل عمله خارج البيت، وعلى ذلك سارت الحياة»، وقال الشيخ سلمان العودة في محاضرة نداء الفطرة بين الرجل والمرأة: «المسلمة مطالبة بالقرار في بيتها ومملكتها بيتها، ولا تخرج منه إلا لحاجة، وعليها إن اضطرت للخروج أو احتاجت إليه أن تخرج بثيابٍ متبذلة»، وهذه الآراء تؤكد تماماً تقليدية الرؤية الصحوية تجاه المرأة. الملحوظة الثالثة: تعجب المؤلف في سياق حديثه عن المظاهرة النسائية لقيادة المرأة (تشرين الثاني) نوفمبر 1990 من مبالغة وعدم دقة بعض المثقفين في توصيف رد فعل التيار الصحوي من المشاركات في تلك المظاهرة، مستشهداً على ذلك بما قالته إحدى أبرز المشاركات فيها وهي الدكتورة عزيزة المانع، وذلك عندما قالت في حوار صحافي لصحيفة «المدينة» بتاريخ 5 - 1 - 2004 «لم يكد يبقى في المسجد في مدينة الرياض وغيرها إلا اكتظ بالمطبوعات والأشرطة والخطب التي تكفر وتخوض في شرف وعفة المشاركات وتستعدي الآخرين عليهن»، فقال معلقاً على ذلك ص 346: «هذا الطرح تنقصه الدقة، فالحقيقة أنهن اتهمن بالعلمانية والحداثة والتغريب، لكن الاتهام بالتكفير وبالشرف والعفة فهذا غير ممكن»، وعند التأمل فالقارئ المتابع لتلك المرحلة سيدرك كذلك وبكل وضوح أن المؤلف في المقابل لم يكن دقيقاً وموضوعياً في توصيفه لقضية الاتهام بالشرف والعفة للمشاركات في المظاهرة، فقد تم حينها توزيع مئات الآلاف من المنشورات في المساجد والجامعات، خصوصاً في مدينة الرياض التي كانت تصف المشاركات بالساقطات والفاسقات، في ظل صمت وعدم اعتراض أبرز الدعاة على ترويج ونشر تلك المنشورات، ومن ذلك أن أحدهم نعت المشاركات في سؤال وجه للشيخ سعد البريك في محاضرته «مهلاً دعاة التحرير» بالفاسقات، ولم يعترض حينها الشيخ على مثل ذلك الوصف والتعبير، وأما قضية التكفير الصريح فاتفق في ما ذهب إليه الكاتب من النفي لها بل ومن عدم وعي بعض المثقفين لتلك المفردة لدى التيار الديني التي أشار إليها. في المقال المقبل سيكون الحديث عن «السرورية والتحولات التنويرية». كاتب سعودي. [email protected]