مكة أون لاين - السعودية أثار حديث الدكتور محمد حامد الغامدي عن مستقبل الماء في المملكة، عبر لقائه المتلفز مع عبدالله المديفر، مشاعر الفزع والتشاؤم ودهشة المفاجأة أو التذكر الفاجع لما كنا غافلين عنه. ذلك أنه ينذر صارخاً في جملة ما قال بأننا سنواجه الموت عطشاً في أجل آت دون ريب، نتيجة لعدم حمايتنا المياه الجوفية وتضييعنا لمياه الأمطار. وهو لا يقول هذا ليدعونا إلى الإسراع في حماية المياه الجوفية من الاستنزاف والبحث عن طريقة لاستغلال مياه الأمطار؛ فالوقت أصبح متأخراً عن موعظة من هذا القبيل، ولم يبق إلا «الكي» - على حد قوله - وهو آخر العلاج، كما تقول العرب. والمقصود به هنا ما يفرضه علاج أوضاع المياه والمحافظة عليها من جهد جهيد وما يتطلبه من معاناة عسيرة لم نتعودها، لأننا لم ننظر إلى المستقبل، فنحن ما زلنا غافلين عن الحساب له. ونقطة الحساب للمستقبل هذه كبيرة المعنى وعظيمة القيمة، فهي دالة على الاهتمام بما يجاوز الحياة الحاضرة إلى حياة الأجيال القادمة، وهذا معنى أخلاقي وإنساني وحس وطني في الوقت نفسه. فكأن قَصْر همومنا على لحظتنا الحاضرة، وانصرافنا عن التفكير في المستقبل، مطْعَن في أخلاقنا وإنسانيتنا ووطنيتنا، وافتقار إلى العقل والمسؤولية. والأكثر سوءا من هذا (الذي لا يزيد عليه سوء!) أن عدم الحساب للمستقبل في استنزاف المياه وتضييعها، يدل على الجهل والغباء اللذين يحجبان عن وعي الإنسان نور العلم والبصيرة، ويدل على الاستغلال والفساد الإداري الذي يتيح لفئة نافذة من رجال الأعمال والمستثمرين تضخيم أموالهم باستنزاف ثروة الماء، وهي كنز الوطن وذخيرة أبنائه! لم يكن حديث الدكتور محمد الغامدي عن مستقبل الماء في المملكة حديثاً مجانياً أو قراءة للطالع أو رجماً بالغيب؛ فهو أكاديمي مرموق في كلية علوم الأغذية والزراعة بجامعة الملك فيصل، تخرَّج في إحدى أرقى الجامعات البريطانية، وأنجز العديد من البحوث والمؤلفات في الاختصاص المتعلق بإدارة المياه والأمن المائي. وهذا يعني أن ما يقوله عن مستقبل الماء صادر عن رؤية علمية ومستند إلى البراهين والأدلة المعتبرة منهجياً. وإلى ذلك فليس حديث الغامدي فريداً في بابه، فالدكتور محمد القنيبط وقف ضد دعم الدولة لزراعة القمح، ورفع راية التحذير تجاه مستقبل الماء منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وما تزال كتاباته وأحاديثه التي يشكِّل هذا الموضوع جزءا ثميناً منها، مثل كتابات الدكتور الغامدي، نموذجاً بارزاً لنبالة الحس الوطني، والمسؤولية الأخلاقية، وصرامة العلماء وواقعيتهم. وللحق فلم أشعر بالفزع من التحذيرات التي أطلقها القنيبط والغامدي، فهي أدعى إلى الاطمئنان والفخر بأننا نمتلك فكراً وأخلاقاً ووطنية في مستوى الجلال الذي يمثلانه، وإنما شعرت بالفزع من صمت الجهتين المسؤولتين عن الزراعة والمياه عما يقولان، وعدم أخذهما تحذيراتهما مأخذ الجد، وترجمتها إلى اهتمامات معرفية وعملية بالدعوة إلى مؤتمر لخبراء المياه، ورسم إستراتيجية صارمة للأمن المائي، تأخذ بأنسب المقترحات العلمية. ولنفترض أن ما قاله القنيبط والغامدي حديث خرافة وكلام لا صدقية له: ألم يستدع ذلك من المسؤولين رداً ينقض أدلتهما ويبرر السياسة المتبعة في إدارة المياه؟!