الاقتصادية - السعودية يعد ملف رسوم الأراضي البيضاء أحد أبرز الملفات المطروحة على الساحة حاليا، ذلك أن القرار الذي سيصدر بشأنها سيكون له تداعيات كبيرة على النظرة المستقبلية للسوق العقاري السعودي. إن اقتصادات السوق التي تعتمد مبدأ العرض والطلب في تحديد السعر ترفض أي تدخل خارجي على ديناميكيات السوق، إلا أننا نلاحظ أن اقتصادات العالم أجمع لا تخلو من التدخلات الحكومية على المستوى التشريعي والتنظيمي وتختلف درجتها وحدتها من بلد إلى آخر. وبالتالي، فإنه من العبث القول بعدم جدوى التدخل الحكومي على الإطلاق ولو على المستوى التنظيمي. حديثنا اليوم عن الأراضي البيضاء لن يكون من الناحية الشرعية، فهيئة كبار العلماء هي الجهة المخولة بإصدار الحكم الشرعي، وقد قامت الهيئة بتأجيل إصدار القرار لجلستها القادمة بعد أخذ مرئيات المجلس الاقتصادي الأعلى، وكذلك لن يكون من الناحية الاقتصادية فقد قام الصندوق الدولي أخيرا بنصح المملكة بفرض الرسوم على الأراضي البيضاء، كما تحدث الاقتصاديون بإسهاب عن القرار وآثاره المحتملة على السوق، إنما سيكون حديثنا اليوم عن معاناة الأجيال المقبلة في حال استمرار الوضع الحالي. بالنظر إلى التركيب العمري لسكان المملكة، نجد أن أكثر من 50 في المائة من السكان هم أقل من 20 عاما، وبما أن نسبة الذكور والإناث متقاربة إلى حد كبير، فإذا ما افترضنا أن نسبة الذكور أقل بكثير من الإناث في حاجة إلى وحداتهم السكنية الخاصة، فإننا في حاجة إلى أكثر من أربعة ملايين وحدة سكنية على الأقل خلال ال 20 عاما المقبلة لمقابلة الطلب، أي بمعدل 200 ألف وحدة سنويا قابلة للزيادة حسب معدل نمو السكان السنوي. هذا دون الأخذ في الاعتبار الحاجة الآنية للسوق من الوحدات السكنية. وكذلك بالنظر إلى معدلات الدخل الحالية للمواطن السعودي التي لا تتجاوز ال 120 ألف ريال سعودي حسب التقديرات المعقولة، فإذا ما افترضنا نموا سنويا بمتوسط الدخل بمقدار 3 في المائة مع معدلات ارتفاعات للعقارات بنحو 20 في المائة سنويا، فإننا نلحظ بوضوح أن قدرة المواطن على تملك وحدته العقارية الخاصة تتناقص عاما بعد عام. وبالعودة إلى قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء، نتساءل هنا ما تعريف الأراضي البيضاء في حال إقرار الرسوم؟ وهل تعتبر الأراضي المسورة ضمنها؟ وما إمكانية أن ينتج عن هذا التشريع قيام هوامير العقار بإيجاد طرق جديدة للالتفاف حول القرار؟ فيصبح لسان الحال كما المثل الشعبي" وكأنك يا بوزيد ماغزيت"، وهل مصلحة الزكاة قادرة على تنفيذ القرار فور إقراره؟ وكم المدة الزمنية التي تحتاجها للاستعداد للتنفيذ في حالة عدم جاهزيتها للتنفيذ المباشر؟ إن ما يحصل اليوم يعود بالأذهان إلى ما حصل بسوق الأسهم، فما أشبه اليوم بالأمس، حين تمكنت فئة قليلة من المتداولين من التلاعب بديناميكيات السوق وتحقيق مكاسب مهولة على حساب صغار المستثمرين، ثم جاءت التشريعات تباعا لتحد من هذا التلاعب، ورغم نجاحها إلى حد ما إلا أن صغار المستثمرين لا يزالون هم الحلقة الأضعف بالسوق. كل ما نخشاه أن يكون تأخير تشريع رسوم الأراضي البيضاء أو أي قرار آخر تنظيمي للسوق العقارية فرصة للهوامير للاستعداد للقرار وابتكار حيل جديدة، وبالتالي يكون تأثير القرار محدودا عليهم كما كان الحال في أزمة السوق المالية الأخيرة. إذ لا يمكن إغفال أهمية عامل الوقت الذي يعتبر عاملا حاسما في هذا الإطار. وهنا نطرح سؤالين آخرين، الأول عن تكلفة تأخير التشريع المنظم للسوق العقارية، والثاني عن قصور التشريع في معالجة الوضع الراهن، بالذات إن أمكن الالتفاف عليه بسهولة من قبل الهوامير. ختاما، لسنا في هذا المقال نحاول أن نؤكد جدوى قرار فرض الرسوم من عدمه، بل هو أقرب ما يكون لصرخة استغاثة للمسؤولية بأهمية التدخل السريع والحاسم لتنظيم السوق العقارية، إن صناع القرار اليوم يدركون تماما أن تداعيات قراراتهم لن تقتصر آثارها على الجيل الحالي فحسب، بل ستكون من أبرز مشكلات مستقبل أبنائنا والأجيال المقبلة.