الحياة - سعودي هناك خلط كبير بين مفهوم الحرية وحدودها التي هي مطمح كل ليبرالي ينشد العدل والمساواة والسلام والأمن، من دون قيود أو شروط، إلا إن مست حرية الآخرين أو سلامتهم. بعضهم يطالب بفتح مفهوم حرية الرأي على مصراعيه، بحكم أن هذا مفهوم الليبرالية الحقة، وهنا نقطة الاعتراض، فلا وجود لحرية مطلقة تجيز لصاحب الرأي أن يكون عنصرياً أو طائفياً أو مناطقياً أو شوفينياً أو متطرفاً، وبرأيي أن كل الصفات الماضية جزء من التطرف. هل مفهوم الحرية يختلف بين مجتمع وآخر؟ نعم، إلى حدٍّ ما، ولكن ليس هنالك اختلاف في القضايا الرئيسة كالديموقراطية والعدل والمساواة، فالحريات الاجتماعية -على سبيل المثال- تنبثق عن المجتمع وتتغير مع الوقت، إلا أن الفوارق كبيرة بين المجتمعات السعودية (مثلاً) والخليجية، وكذلك بين الخليجية والعربية، وبين العربية والأوروبية والأميركية. لذا، واهمٌ أو ساذجٌ أو مغالٍ من يطالب بالمساحة نفسها من الحرية التي ينالها من يقطن في سويسرا أو السويد أو واشنطن، فالأحلام تنتهي صباح اليوم التالي، إلا أن المطلوب هو شيء آخر، وهو ألا نستمر متقوقعين في مفهوم العادات والتقاليد القديمة التي تعوقنا من دون سبب ديني، يستمدون قوتهم منه؛ للحفاظ على هذا العادات. على أننا في خضم التفسيرات يجب أن نفرق بين تطرف الديني وتطرف الليبرالي، فمن حيث المبدأ أرى برفض الاثنين معاً، إلا أن المقارنة بينهما هو تعصب بحد ذاته، فالتطرف الديني لا حدود لطغيانه، ورأينا نتائج ذلك بنماذج كثيرة، في الجزائر ومصر وإيران وباكستان والحركات المتشددة في الخليج، أو بشكل أنكى، وكما نشاهده الآن وبوضوح في «داعش» أو «بوكوحرام» أو «النصرة» أو غيرهم. في الجانب الآخر فإن التطرف الليبرالي هو من يدعو إلى إشراك المتطرف الديني في العملية السياسية، وهو إيمان رومانسي عميق بمبدأ الحرية، ولكن تناسى الليبرالي أن مصير المتطرف هو السجن وليس الحرية فهو لا يؤمن بها. الليبرالي المتطرف غضب من حل السلطات الجزائرية عام 1992 لجبهة الإنقاذ الجزائرية الإسلامية عندما كسبت الانتخابات بشكل ساحق إلا أن العسكريين (وهم كانوا السلطة الحقيقية في الجزائر آنذاك) استغلوا عدم رضا العالم الغربي على وصول حزب إسلامي إلى الحكم وألغوا الانتخابات. من حيث المبدأ، لم يكن ما ارتكبه العسكريون في الجزائر إلا ديكتاتورية لا جدال فيها، غير أن الموضوع برمته لم يكن يمثل الديموقراطية بمعناها الغربي. فالفساد الذي كان يعشعش بأطنابه أدى إلى ثورة شعبية جعلت العسكريين يفتحون مجال الانتخابات فكانت فرصة لجبهة الإنقاذ. طبعاً، الخطأ الكبير الذي وقعوا فيه أنهم لم يتركوا لمواطنيهم إلا خيارين: إما هم أو الإنقاذ، فاختار الشعب الإسلام على الفساد، فلا مجال للمقارنة. وما وقع بعد الإلغاء يوضح ما قصدته، وهو أنهم دخلوا الانتخابات ولكن بعد إلغائها حوّلوا الجزائر إلى برك من الدماء. في مصر لم يتقبل حزب العدالة إلى الآن مسألة إزاحة الرئيس بعد انتخابه، وبتصوري أن السماح لحزب إسلامي في بلد إسلامي بالانخراط في الانتخابات أمر غير مفهوم، سواء في مصر أم في الجزائر.. فهل سينتخب المسلم المصري (وهم الغالبية الساحقة) من يمثل الإسلام أو من لا يمثله (حتى لو كان مسلماً)؟ سبق أن كتبت في مقالات سابقة أن الديموقراطية من خلال دستور متفق عليه هي الحل الذي تستطيع من خلاله الأحزاب خوض الانتخابات حتى الإسلامية منها؛ لأن الحرية التي لا تؤمن بها الأحزاب الدينية لا يستطيعون سلبها بوجود دستور يرجع إليه المواطن إن انتهكت حقوقه. وكل الإسلاميين المعجبين بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان (رئيس الوزراء السابق) يتجاهلون أنه نجح من خلال دستور علماني على رغم أنه مسلم ملتزم على المستوى الشخصي. نعم، في الأخير لا خيار لجعل الحرية مجالاً خصباً يتنعم بها المتطرف الديني وهو ألد أعدائها. [email protected] للكاتب