الاقتصادية - السعودية إعلان "داعش" دولتها وخليفتها كان الشغل الشاغل للمجتمع السعودي خلال الأسبوع المنصرم. كان هذا واضحا في أحاديث المجالس والصحافة وفي مواقع التواصل الاجتماعي. كثير منا لا يرى في "داعش" تهديدا وشيكا، لكن كثرة النقاش حولها تشير إلى قلق عميق في نفوس الناس من تحد لا يبدو أننا متفقون على "كيفية" تحييده. والمؤكد أن هذا القلق ازداد بعد العدوان الآثم على مركز الوديعة الحدودي الذي كلف البلد خمسة شهداء من رجال الأمن. هذا الحادث ذكرنا جميعا بأن "داعش" ليست في شمال العراق، بل هي، بعض منها على الأقل، على حدودنا. لا ينبغي تهويل الأمر، فهذا العدوان الغادر ليس دليلا على تهديد وشيك من النوع الذي تمثله داعش العراقية. لكن المسألة ككل تمثل خطرا ثقافيا وسياسيا لا ينبغي التقليل من أهميته. إعلان داعش ما تسميه "خلافة إسلامية" يستهدف مباشرة التشكيك في الشرعية السياسية والقانون الجاري في دول المنطقة كلها. وقد يكون مجتمعنا أبرز المستهدفين بهذا المخطط، نظرا لأن النموذج الثقافي- الديني السائد يحمل سمات مقاربة ويعبر عنه بلغة مماثلة. وهو قادر على التأثير خصوصا في الشرائح الاجتماعية التي تشعر بالإحباط أو تتطلع إلى حلول سحرية للمشكلات التي تعانيها أو تتخيلها. يتجه تهديد الخطاب الداعشي في المقام الأول إلى "الإجماع الوطني" ، أي ذلك التوافق الضمني على نظام العلاقة بين أبناء الوطن والسبل المتعارفة لإدارة تعارضات المصالح. حكومتنا تتحمل الجانب الأعظم من الأعباء الخاصة بصيانة الإجماع الوطني وتعزيزه. هذا يعني أن على الأجهزة المعنية "حكومية وأهلية" الكثير مما ينبغي القيام به لتحصين البلد من أخطار الخطاب الداعشي. وأشير هنا إلى عنصر واحد أراه ضروريا وعاجلا، ألا وهو تعزيز ملاينة المجتمع. نستذكر هنا الخطاب الرباني للرسول - عليه الصلاة والسلام: "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر". في 1993 سمعت المرحوم الملك فهد يقول إن "الحكومة أقوى من كل أحد في البلد وقادرة على سجن من تشاء وقهر من تشاء لو أرادت، لكن هذا لا يقيم مجتمعا متعاطفا مترابطا. التفاهم والحلول اللينة هي التي تبني الأوطان". وإني أجد بلادنا في حاجة إلى هذه الرؤية اليوم، أكثر من أي وقت مضى. إني أدعو حكومتنا إلى التوسع في استخدام أساليب الملاينة والتفاهم وإعادة استيعاب المختلفين والمخالفين، أيا كان رأيها فيهم لاحتوائهم وضمان ولائهم لبلادهم، فهذا هو السبيل اليوم لسد الثغرات التي يتسلل منها أعداؤنا لضرب السلم الأهلي وخلخلة الإجماع الوطني.