المجلة اللندنية منذ 1948 وحتى الآن ونحن نحلم بأرض فلسطينية حرَّة ننتزعها من براثن المحتل الذي اغتصبها عنوة في سنة غدر، بمشاركة ودعم إنجليزي لن يغفره التاريخ. منذ ذلك الوقت ونحن نتمزَّق ونتفتَّت، وبدلاً من أن نصبح بلدًا عربيًّا موحدًا باسم "الجمهورية العربية المتحدة" أصبحنا عشائر وطوائف وديانات تتصارع، فمن انقسام السودان، إلى التهديد الذي أصاب اليمن، إلى الصراع الطائفي في لبنان، وانتقاله إلى سوريا والعراق، والاضطراب النسبي في مصر، ناهيك عن الشعور العام والقلق وانعدام الأمن في بعض الدول الأخرى. حقيقة لا أعرف ما يحدث في غزة، هل تستحق ما جرى لها؟ هل ندم العدو على تلك المساحة الصغيرة التي قدَّمها بصعوبات جمة لفلسطينيين قدَّموا الكثير من الدماء والتضحيات والسجن والتشريد؟! لا شك أن الخجل يغمر الساسة العرب، بل ويغمر العرب أجمعهم الذين كانوا في الماضي لا يقبلون ضيمًا أو خدشًا في كرامتهم، ولنا في ما قاله هارون الرشيد مخاطبًا سحابة شاهدها في السماء: (أينما تذهبين فخراجك يأتيني)، وإني أتساءل الآن: أي خراج نتقاضاه، والأحرى: أي ضرائب ندفعها ونحن الأذلّون؟. القضايا العربية -وخصوصًا الفلسطينية- أعقد من أن يتم حلُّها بين يوم وليلة، ولا يخفى على أيِّ فطين أن الاستعمار خرج من هذه البلدان بعد أن حوَّلها إلى كينونات ضعيفة ومقسمة ومشتتة، تنظر كلٌّ منها إلى الأخرى بعين تنضح منها الريبة والشك والحسد والغيرة. وأنا أكتب مقالي هذا قَتلَتْ قوى البطش الفاشية 168 شهيدًا و1140 جريحًا، والشهادة هنا لا تعني أنهم مسلمون فقط، بل لأنهم ماتوا وهم أبرياء يدافعون عن وطنهم، ضحَّت بهم قوى الاحتلال لأنها تفتقد لكل معاني الشرف بقصفها المتعمد للعزل المدنيين. وعلى أي حال فالأمر ليس غريبًا وليس مستنكرًا من دولة باغية بدأت بمجازر واستمرت بمجازر. وكان من القبح أن يمارس العدو استهانته بمشاعر المسلمين، ويتعمد هجومه السافر في هذا الشهر المقدس، وكأنما يريد إطعامهم الموت والنار فطورًا رمضانيًّا. أما الدول الغربية فكالعادة أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامة؛ فإلى الآن لم نشهد إلا احتجاجات خجولة، وبالمقابل تشديد على أن من حق العدو الدفاع عن النفس، ومن لا يعلم ظروف الحرب لظنَّ أن الفلسطينيين هم من يحاصر الجلادين. إنه من المؤلم مع كل هذا بروز أصوات تبرر للعدو همجيته وكأنما العدو لا يرتكب جرائمه إلا بعد أن يتم استفزازه، أليس استفزاز الفلسطينيين اليومي في المستوطنات وفي المسجد الأقصى وفي القدس، وحتى غزة وأريحا والقطاع الغربي والمنافذ والعبور- كلها جرائم ترتكب يوميًّا؟! أليس اختيار القيادات الفلسطينية وقنصها من السماء بالمتفجرات جرائم ترتكب بين حين وآخر؟! الاحتلال نفسه جريمة نفسية وإذلال لكل عربي وخاصة الفلسطيني الذي يرى غريبًا يسكن في منزله. اسمحوا لي في النهاية أن أورد مقطعًا من مقال للقدير "نصار إبراهيم" عن هذا التمييع تجاه تضحيات هؤلاء الأبطال، حيث يقول: "مع كل عدوان إسرائيلي.. نعيد اكتشاف ما هو مكتشف؛ فنكتشف فجأة أن إسرائيل عدوانية ووحشية، وفيما الشعب يصمد ويقاتل في مواجهة تلك العدوانية نجد أن الخطاب السياسي يميل للهبوط وهو يكتشف مع كل حرب بأن موازين القوى ليست في صالح الشعب الفلسطيني، وهنا لا مشكلة في وصف ورؤية الواقع، غير أن المشكلة تتجلى عندما ندرك بأن الهدف من تظهير ما هو ظاهر هو إغراق الوعي الجمعي بلا جدوى المقاومة والصمود لتبرير هبوط الأداء وحالة العجز، وتقديم ذلك باعتباره تعبيرًا عن عبقرية العقلانية السياسية (يذكرنا هذا بمقولة بليخانوف بعد فشل ثورة 1905 في روسيا عندما صرخ: ما كان ينبغي حمل السلاح... فيرد عليه لينين مذكرًا بموقف ماركس- الذي حذر العمال في كومونة باريس عام1871 قبل الثورة من خطورة الفشل – ولكنه بعد نزولهم للشارع قال: "لقد هبوا ليقتحموا السماء" ووضع نفسه في خدمة الثورة... ومن تجربتنا الفلسطينية ألم يقتحم عز الدين القسام السماء عام 1935، وأيضًا غزة ألا تقتحم السماء كل عام أو عامين... فهل نقول لهم: ما كان ينبغي حمل السلاح؟!". لا يسعني في نهاية المقال إلا أن أحيي أولئك الأبطال الحقيقيين الصامدين؛ شعبنا في غزة وهم يقاومون التكالب العدواني من العدو، أو حتى الشقيق أحيانًا!. *صحفي وإعلامي سعودي، كتب في صحف عدة كاليوم وعكاظ والاقتصادية وشمس والمدينة وجريدة الشرق الاوسط. يحمل شهادة الماجستير في الصحافة والاتصال الجماهيري من جامعة مارشال في أميركا