مع كل عدوان إسرائيلي على أهلنا في غزة، نلاحظ وجود حملة إعلامية يقوم عليها ويشترك فيها عدد غير قليل من الكتّاب العرب والخليجيين من مدعي الليبرالية. العجيب أن هذه الحملات لا تستهدف العدو الإسرائيلي، بل تستهدف حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية المقاومة، وتحمّلها المسؤولية عن كل ما يرتكبه العدو من جرائم..! والحجة دائماً واحدة.. فالعدو (المسالم) لم يكن ليقوم بما قام به، لولا استفزاز حماس والفصائل له! البعض الآخر من المتوارين خلف شعارات الليبرالية و (الأنسنة) والدفاع عن الحريات، يحمّل المقاومة مسؤولية أي عدوان، نظراً لأنها تمنح الصهاينة – حسب زعمهم – الذريعة المناسبة لقتل الشعب الفلسطيني! أما الفريق الثالث من أدعياء الليبرالية، فإنهم يمارسون أعلى درجات السخرية من ضعف العتاد الحربي المتوفر لدى الفصائل الفلسطينية مقارنة بالعدو، قبل أن يصدروا الحكم في النهاية: لا يحق للمقاومة توجيه صواريخها (التنك) للمحتل، لأنها بذلك تعرض حياة المدنيين الفلسطينيين للخطر. قبل الدخول في تفاصيل الحجج التي يسوقها أدعياء الليبرالية والمتاجرون بحقوق الإنسان، التي اتخذوا منها منطلقاً لإدانة المقاوم وتبرئة المحتل.. قبل كل ذلك علينا أن نسأل أنفسنا، بل ونسألهم أيضاً: لماذا لا تكتبون في الشأن الفلسطيني إلا عند حدوث المواجهات العسكرية، ولماذا لا تلومون الجلاد كما تلومون الضحية بسبب سوء تقديرها..؟ لماذا لا تكتبون حرفاً واحداً عندما يعلن العدو عن إنشاء وحدات استيطانية جديدة..؟ لماذا لا تكتبون عن مطالبة العدو للعرب والعالم بالاعتراف به كدولة يهودية، حتى يصبح طرد عرب أراضي 48 شرعياً..؟ لماذا لا تكتبون عن تهويد القدس وإصرار العدو على أن المدينة الموحدة هي عاصمته الأبدية، على الرغم من أن قرار التقسيم الأممي لم يعترف بالقدس كجزء من أراضي ما يسمّى بدولة إسرائيل..؟ لماذا لا تتحدثون عن قانون الاعتقال الإداري، والمضربين عن الطعام في سجون العدو..؟ لماذا لا تكتبون ولو كلمة واحدة ضمن مقال يتيم، عن كم الأطفال المعتقلين في سجون الاحتلال، رغم انحيازكم للقيم الإنسانية..؟! لماذا لم تكتبوا أو حتى تشيروا إلى تقرير جولدستن الذي أدان العدو بارتكاب جرائم حرب عديدة أثناء العدوان على غزة 2008 – 2009 ، كان من ضمنها استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وبالتحديد: الفوسفور الأبيض..؟! لماذا لا تكتبون عن رفض العدو للمبادرة العربية الموضوعة على طاولته منذ 12 عاماً، بل وعلى إصراره على عدم الرد عليها، رغم إن العرب ما زالوا يرددون منذ ذلك الوقت، بأن السلام هو خيارهم الاستراتيجي ؟! عشرات الأسئلة والأسئلة التي ستظل بلا إجابة ، فهل الأمر ناتج عن سوء تقدير للأمور أو حتى عن قصر نظر، أم أن هؤلاء يعرفون ما يكتبون، ويريدون تزييف وعي الشباب العربي حيال قضيته المركزية، لغاية لا يعلمها إلا الله وحده؟! إن الإصرار خلال كل عدوان إسرائيلي على تحميل حماس وباقي الفصائل الفلسطينية مسؤولية الجرائم التي يرتكبها الكيان الاستيطاني التوسعي، يهدف إلى غايتين لا ثالث لهما : الأولى هي محاولة تصوير صراع الوجود الذي يخوضه الفلسطينيون الذي من المفترض ومن المفروض أن يخوضه العرب معهم ضد إسرائيل، إلى صراع بين حماس والعدو الإسرائيلي. وهذا عدا عن كونه تضليلاً صريحاً، فهو اختزال كفيل بالتشكيك في طبيعة الصراع الذي يخوضه الفلسطينيون ضد المشروع الصهيوني. أما الحقيقة الثانية فهي محاولة إلهاء الناس عن كارثة الاحتلال، وتحويل أنظارهم نحو بعض التفاصيل، كأداء المقاومة ومواقفها السياسية وخلفياتها الأيديولوجية، وما إلى ذلك من جزئيات هي أبعد ما تكون عن الإشارة إلى أس البلاء.. أعني وجود هذا الورم السرطاني في جسد الأمة. لقد احتلت عصابات الصهاينة جزءاً من فلسطين عام 1948، وارتكبت المجازر، ومحت قرى وبلدات فلسطينية من الوجود، وطردت وهجرت ما يقدر الآن بأكثر من 5 ملايين نسمة. وبعد عدوان العام 1967 رفض الكيان الغاصب تنفيذ جميع القرارات الأممية التي طالبته بالانسحاب مما اسمته بالأراضي المحتلة، كما رفض الكيان أي حل سياسي يمنح الفلسطينيين ولو جزءاً من حقوقهم على أرضهم.. وكل هذه الوقائع حدثت حتى قبل أن تدور فكرة إنشاء حركة حماس في خلد الشهيد أحمد ياسين، فكيف تكون حماس أو غيرها هي السبب في الكوارث التي حلت بالفلسطينيين وبالجرائم التي ارتكبها ويرتكبها العدو في حقهم حتى قبل أن يعلن قيام دولته بعقود..؟! لقد قام العدو بارتكاب مجازر دير ياسين وكفر قاسم ومدرسة بحر البقر الابتدائية، قبل أن يقدم دعماً لوجستياً لما يسمّى بالقوات اللبنانية التي كانت في ذلك الوقت الذراع العسكرية لحزب الكتائب اللبناني، لارتكاب مذبحة صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها ما يقارب من 5000 لاجئ فلسطيني..؟ والسؤال هو: هل قام العدو بما ذكرناه آنفاً من مجازر، رداً على حماس التي لم يكن لها وجود بعد؟! شخصياً فإن لدي عدداً غير قليل من المآخذ على حركة حماس منذ استشهاد الرنتيسي رحمه الله، لكن هذه المآخذ شيء، وتبرئة الكيان الغاصب مما يحدث شيء آخر . كما أن انتقاد أداء حماس أثناء العدوان شيء، وانتقادها خلال فترات وقف إطلاق النار شيء آخر تماماً. إن الصهاينة لن يكونوا بحاجة إلى أية ذريعة لارتكاب جرائمهم، فهم فوق القانون دائماً .. وعليه فإن أي حديث عن أن عمليات حماس والفصائل هي التي تمنح الصهاينة المبرر لقتل الفلسطينيين، هو محاولة لذر الرماد في العيون، وهو ليس أكثر من محاولة لتغطية العدوان وتبريره. أما الحديث عن ضعف عتاد فصائل المقاومة الفلسطينية وما يسميه الكتّاب الذين يدورون في فلك أمريكا، بالصواريخ (التنك)، فهو حجة على هؤلاء وليست لهم. ذلك أن المقاومة الفلسطينية لم تجد حتى الآن ما هو أفضل من الصواريخ (التنك) لتستخدمه .. وبالتأكيد فإن المسؤولية في ذلك لا تقع على المقاومة، بل على من أعلن أن السلام هو خياره الاستراتيجي، على الرغم من إصرار العدو على إغلاق كل الأبواب أمام السلام، وامتناعه حتى الآن عن الرد على المبادرة العربية الموضوعة على طاولته منذ ما يزيد على 12 سنة ! إن القضية الفلسطينية قضية وجود، فما فعله الاحتلال الصهيوني وقبله الانتداب البريطاني بحق الفلسطينيين، يدل على أن المطلوب هو اجتثاث الوجود الفلسطيني من أرض فلسطين ، فهل المطلوب من الفلسطينيين الذين يعانون الحصار في غزة ومصادرة أراضيهم في الضفة، أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا المخطط ، فقط لأن العرب تخلوا عن مسؤولياتهم في فلسطين ؟! الفلسطيني يخوض حرباً مفروضة عليه .. إنها قدر وليست خياراً .