المصري اليوم القاهرية جاءني خبر رحيلك في الفجر. ربما عبدالله كمال آخر. هاتفت أصدقاء لأغلق السماعة كلما ضغطت على الأرقام قبل أن يرن هاتف أحدهم، مؤكد أنهم نائمون. وقد يرد أحدهم فيؤكد لي الخبر وأنا في غنى عن ذلك. لم أتمكن من النوم. شردت ببدايات تعارفنا، لم أنم. ربما روحك كانت تحوم حولي تؤنب ضميري لأني تأخرت بتنفيذ واجبا اتفقنا عليه. عبد الله كمال. صحيح إذا خبر موتك. اطمئن. كلهم احتفوا بك، المحبين. الأصدقاء. المختلفين معك. ، حزنوا وترحموا. وحتى الخصوم ومن اعتبروك عدوا لدودا. كلهم هزهم موتك المفاجئ. كيف لصحفي كبير مثلك أن يرحل بصمت، حياته الصاخبة، حضوره المثير للضجيج. كيف لصاحب المبدأ أن يرحل بصمت. لو يعلمنا القدر قبل مجيئه بساعات أو بثوان. لو أننا نشعر به شعور جادا لا مجرد رسائل تزورنا بعد فوات الأوان لتعلمنا أن فلانا قد انتهى. عمرك كان قصيرا وعملك لم ينته بعد. أهم عمل في عالم الصحافة كنت تمارسه. الثبات على المبدأ. بعد الثورات رأيت كيف أن المتغيرون والمتقلبون ملأوا الساحات العربية. معارضون تحولوا لعصا السلطة التي لا تعصاها لأن المصلحة تقتضي ذلك. وعبيد في البلاط أصبحوا رموزا للثورة وأبطال الحرية والشرف والنزاهة. إلا قلة منها عبدالله كمال لم يتلون ويتغير. لم يكترث لأن يقلده قطيع من الهمج نيشان البطولة. أنا مقصرة جدا بحق أصدقائي، ودنياي تلهيني كثيرا عنهم. هل كان عليك أن تزورني في المنام لأعلم أنك مت. أزمة قلبية وينتهي كل شيء، ما أبسط وأوحش تعامل الكون معنا، يختفي الثقيل وتبقى كل الأشياء الخفيفة التي كانت عالقة معه. يبقى كرسيه ومنضدته وقلمه وآخر صفحة كتب عليها وأشياء كثيره أخرى كان اشتراها أو ابتكرها وخلقها. في عرف الكون كل الهوامش هامة وتخلد لآلاف السنين إلا الإنسان زهيد الثمن يختفي وتبقى ذكراه تؤلم وتثير الشجن والدموع. خفف من وحدتك، فقد تركت أجمل إرث يمكن لابنتين أن تفاخرا به وتعتمدا عليه. تركت صيت لا ينضب. هل وصلتك الصحف صباحات اليومين الماضيين. وقرأت ما كتبه الصحفيون عنك ؟ هل مسموح لك مزاولة القراءة والكتابة . أو التفكير. وهل تحولت إلى جزء من قوى الخير غير المرئية التي تشارك برسم مصير العدالة والحياة . أتكون هذه الحكمة من اختيارك بالذات ومن نهايتك السريعة. ويكون الموت طريق.