الاقتصادية - السعودية الصفات تسير خلف من يستحقها، وتتعقب من يتصف بها، الكاذب سيظهر كذبه ولو بعد حين، والصادق تمور الأيام به حتى يتجلى الصدق منه. الطاهرون يفصح الصبح عنهم طاهرين، والفاسدون لا يسترهم ليل ولا يغطيهم حجاب. وحامل الخطيئة تفضحه خطيئته ولو كان متفردا بها في ليلة غاب عنها قمر ذاك لأن الشاهد هو المعاقب .. "يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا". يا قارئي العزيز..! فيك ثلاثة أشخاص في آن. أنت كما خلقك الله، وأنت كما يراك الناس، وأنت كما ترى نفسك، ومع كل واحد منهم صفات تتقابل، وتختلف، ويكون في بعضها الأضداد. وربما وهذا عزيز قليل تكون ذاتك بصفات الماء الذي لا يغير طبعه ولا يتلبس بغير ذاته، في أي مكان وعلى أي حال، في آنية من ذهب أو فوق يد فقير عليها بقايا طين الأرض وترابه، وملح خبزه اليابس. كثيرون منا يتغيرون، ليس بوسعهم أن تكون ذاتهم ماءً واحدا، بطبيعة واحدة، بطهر واحد لا يختلف، المنصب يبدله، المكان المرتفع يغير صفاته، الشعور بالقوة يغير طبعه .. ويفرض تعاليه. هل يتغير من حولنا؟ لا فقط تسقط الستائر التي كانت تستر حقيقتهم، فقط ارتفع القناع الذي كانوا يضعونه طيلة الوقت على وجوههم لأنهم كانوا بحاجة إليه، إنها حقيقتهم التي كنا غير قادرين على رؤيتها واكتشافها، فيما مضى من الوقت، ليس غباء فينا أن وثقنا بمن لا يستحق ثقتنا وليس ضعفا منا أن أحببنا بعزائم قلوبنا من ليس جديرا بالحب، لأن كل ذات صفاتها تتبعها في كل حين، أو تظهر فيها ولو بعد حين. لا أحد يكذب على نفسه مرتين، ولا أحد من الخلق بقادر على أن يكذب على الكون كذبة واحدة، ربما لبس الذئب أسمال الأولياء الصالحين، ربما ادعى العمق من لم يبلغ أطرافه بعد، ربما وعظت الثعالب بحزن في القطيع الذي لا يبصر الدم في المخالب والأنياب، ربما تعالى بكاء القاتل في جنازة ضحاياه، ربما رجم الزاني مستفرغ شهوته، ومستقر إثمه، ربما غضب بلسانه على الحرمات من لا يفارقها سرا. تظل في الأخير الصفات تمشي خلف خطوات من يستحقها، والحقائق صبورة لا يغويها إطار كاذب. التدين المغشوش، الطهر الناقص، الإيمان المشوه، الخوف من الله المزيف. الصلوات التي لا ترتفع. والدعاء الذي لم يصدق فيه من دعاه. هذا كله يجعل الكثيرين قبل السقوط بخطوة واحدة فقط. هذه الخطوة شاهدها كل واحد منا فيمن حولنا، ولم نشاهدها في أنفسنا بعد أن لم نكن صادقين في وحدة الصور الثلاث مع الله ومع الناس ومع ذاتنا، كلها يجب أن تكون صورة واحدة فقط. خطوة السقوط القريبة .. التي حدثت لكثيرين منا .. هي لحظة رفع حجاب الستر عليه من الله .. كالسيول المؤدية إلى كل بيت، وعلى كل لسان، وأمام عين .. تجرف كل الكذب المتراكم، كل الصور المركبة، كل المواعظ التي تتعمد صناعة الضحايا، ونفع الواعظ لا الموعوظ .. السيل العظيم الذي يسميه الناس - فضيحة . من يحمل في داخله خطيئة مظلمة لن يبصر الطريق أمامه وستتعثر خطاه .. وسيسقط قبل أن يبلغ مراده. أو ينتهي إلى غايته. "...... إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال". نشوة الكذب، ووهم الكسب الحرام، والصفات المنتحلة، وذاتك المزيفة محض سراب أمام الحقائق الكونية الثابتة، وأمام الصدق الإلهي الخالد. فلا تتباعد عن نفسك .. إن صفاتك الحقيقية تمشي خلفك وتتبعك. فكن أنت على حقيقتها مع الله ومع الناس ومع ذاتك.