مكة أون لاين - السعودية اللغة أصوات يعبّر بها كلّ قوم عن حاجاتهم، حسب تعريف ابن جنّي لها، فهي أداة الاتّصال بين أفراد الأمّة الواحدة، وهي مقوّم ثقافيّ ووجوديّ من مقوّمات الهويّة الخاصّة بهم؛ لأنّها الدالّة على طريقة تعبيرهم عن طبيعة تسميتهم لحاجاتهم، ولأنّها الوسيلة التي يعبّرون بها عن رؤيتهم للعالم الذي يعاينونه من خلالها بوصفها أداة فكرهم الأولى. وتفسير قول الله -عزّ وجلّ-: «وعلّم آدم الأسماء كلّها» كما يرى ابن جنّي أيضًا ينصرف إلى المواضعة اللغويّة؛ أي أنّ الله أقدر آدم على التواضع على هذه الأسماء والاصطلاحات، ومثّل على ذلك بأنّ حكماء الناس يحتاجون إلى الإبانة عن الأشياء المعلومة، فيضعون «لكل واحد منها سمة ولفظًا، إذا ذكر عرف به ما مسمّاه، ليمتاز من غيره، وليغنى بذكره عن إحضاره، إلى مرآة العين، فيكون ذلك أقرب وأخف وأسهل من تكلّف إحضاره؛ لبلوغ الغرض في إبانة حاله». لذلك قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير «والأسماء جمع اسم وهو باعتبار الاشتقاق ما يكون علامة للشيء ودليلًا يرفعه إلى الذهن من الألفاظ الموضوعة بجميع اللغات والصفات والأفعال. وقيل: الضمير للأسماء في قوله تعالى: «فلمّا أنبأهم بأسمائهم» باعتبار أنّها المسمّيات مجازًا على طريق الاستخدام. ومن قال: الاسم عين المسمى قال: الأسماء هي المسمّيات والضمير لها بلا تكلّف، فيردّ عليه بأنّ «أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء» يدلّ على أنّ العرض للسؤال عن أسماء المعروضات لا عن نفسها وإلا لقيل: أنبؤوني بهؤلاء، فلا بدّ أن يكون المعروض غير المسئول عنه فلا يكون نفس الأسماء». أي أنّ اسم الشيء لا يدلّ على حقيقته العينيّة، لكنّه يدلّ على فهم من سمّاه له وتصوّره إياه، فاللغة بذلك تصوّر ذهني عن العالم، وصياغة رمزيّة للوجود، وليست تعني بحال من الأحوال حقائق المسمّيات وأعيانها الوجوديّة المطلقة، وهكذا فإنّ كلّ أمّة من الأمم تبدع بلغتها فهم عالمها فتنهض بذا وترقى. أو تقصّر تلك اللغة عن فهم الكون واستيعابه؛ فتضيع الأمّة وتتلاشى لغتها في لحظات الضعف والهزيمة.