اعتاد العرب الأقدمون في بواديهم وحواضرهم على تسمية أبنائهم بأسماء تتوافق مع بيئتهم وعاداتهم ومكارم أخلاقهم، بل إن العربي القديم كان إذا بُشّر بالمولود خرج من خبائه فيسمي ابنه على أول شيء تقع عينه عليه، فإذا شاهد هلالاً سماه هلال، وإن شاهد بدراً سماه الزبرقان أو البدر، وإن شاهد حلاله من الإبل والغنم سماه بكرة أو كبشاً، أو ربما كلباً أو كلاباً أو خميساً حين يكون في الجيش، ولعل كثيرا من هذه الأسماء: (بكر، كلاب، كلب، هلال، يربوع، كليب، ثعلبة) هي من كبرى قبائل العرب التي تفرّعت بطونها وأجذامها إلى أصقاع عالمنا العربي، ولعل التسمي بأسماء الحيوانات كان للسبب الذي ذكرناه، أو لأسباب أخرى كاشتهار مناطقهم بها أو تميزها أو لصحبتهم لها. أسماء الأطفال تتحول مع الشقاوة إلى «العيارة» أثناء اللعب في الحارة ولعل هذا العُرف العربي القديم أمتد إلى عصورنا المتأخرة، حيث ما زال العربي في باديته يسمي أبناءه بأقرب شيء يكون منه، أو أول شيء تقع عليه عينه عند البشارة بالمولود، ولأن العربي هو ابن بيئته ومجتمعه، فهو لن يكون حينها إلاّ في مجلس كرمه يستقبل الضيف وأبناء السبيل، وحين ذاك ستجد أسماء "دلة" و"محماس" و"هيلة" حاضرة في نسيج مجتمعنا المحلي، كما ستجد "منيف" و"نايف" و"نواف" و"نوف" و"نايفة" من أسماء الفخر والاعتداد بالنفس والارتقاء والعلو، وهذا من باب الفأل والتفاؤل والفخر والسمو، كما هي أسماء النجوم والسحب العالية التي غالباً ما تدل على المحاسن ك"جوزاء" و"ثريا" و"مزنة" و"مزون" و"ديمة"، ولأنهم في كثير من أحوالهم لا يخرجون عن ميادين ومحيط بيئتهم، لا سيما وأن البيد والفيافي والصحراء الواسعة بكل ما فيها من الكائنات تمثّل لهم مصدر فخرهم واعتزازهم؛ لذا فهم يتعايشون معها، حتى في أسمائهم ك"حنظلة" و"ريحانة" و"طلحة"، كما هي "صخر" و"حجر" و"عقاب" و"يمام". الطفل هو من يجمّل اسمه مهما كان الاختيار خاطئاً تعدد الأسماء وكان تعدد الأسماء دليلا على عظمة المسمى، ولذا كان للأسد والسيف والصحراء النصيب الأوفر من الأسماء، وربما كان ذلك ظاهراً في قولهم "نصيب الأسد"، ناهيك عما لهذه الثلاث من مكانة وعلو في المقام عند بني إسماعيل، الذين كانوا يستنكفون تسمية أو نسب الرجل إلى صنعته ومهنته أو حرفته التي يعمل بها، بل إن هذه الأسماء والألقاب جاءت متأخرة في زمن اختلاط العرب بسواهم من الأمم. وعلى الرغم من أن هذه عادات بالية وشعور غير مبرر نحو الآخرين، إلاّ أن أسماء الزمان ك"شعبان" و"رمضان" و"ربيع"، أو تلك التي تنتسب إلى المكان والإقليم كقولهم "البصري" و"الكوفي" و"النجدي" و"الشافعي" و"الخرساني" و"البخاري" لم تعرف عند العرب الأقدمين، بل انتشرت وراجت في عصر الحضارة الإسلامية، وتحديداً لمّا تداخل العرب مع غيرهم من الأمم وكثرت الهجرات واختلطت الأجناس، وأصبحت أسماء الأقاليم تمثّل تعريفاً لمن كان يسكنها. أسماء عيال الحارة قديماً محفوظة بين الجميع التسمية في الإسلام لما نزلت رسالة الإسلام أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بتغيير بعض أسماء الصحابة، لا سيما تلك الأسماء التي تصرف العبودية لغير الخالق سبحانه، كما غيّر اسم "حرب" وسماه "سلم" و"حزن" وسماه "سهل" و"عاصي" وسماه "عبدالله"، كما لقب "زيد الخل" ب"زيد الخير"، وكان عليه الصلاة والسلام يغيّر الاسم القبيح إلى الاسم الحسن، كما ورد عن عائشة رضي الله عنها، بل كان صلى الله عليه وسلم يتفاءل بالأسماء ذات المعاني الجميلة، كما حدث في صلح الحديبية حين أوفدت قريش رجالها واحداً تلو الآخر، وحين جاء سهيل بن عمرو قال صلى الله عليه وسلم : (سهيل) سهل الله لكم، قد أرادت قريش الصلح، كما يستحب التسمي بأسماء الأنبياء رغم أنها كلها أسماء غير عربية، بل تكلمت بها العرب كما يقول بذلك علماء اللغة، وقد ذكر ذلك الشيخ "بكر أبو زيد" -رحمة الله-، ويستثنى منها أربعة أسماء هي "آدم وصالح وشعيب ومحمد" عليهم الصلاة والسلام، ويقول المفسّر والمؤرخ محمد بن جرير الطبري "لا ينبغي التسمية باسم قبيح المعنى، ولا باسم يتقضي التزكية له، ولا باسم معناه السب، ولو كانت الأسماء إنما هي أعلام للأشخاص، ولا يقصد بها حقيقة الصفة، لكن وجه الكراهية أن يسمع سامع بالاسم، فيظن أنه صفة للمسمى، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يحول الاسم إلى ما إذا دُعي به صاحبه كان صدقاً"، وقال الماوردي في كتابه "نصيحة الملوك" فإذا ولد المولود، فإن من أول كراماته له وبره به، أن يحليه باسم حسن وكنية لطيفة شريفة، فإن للاسم موقعاً في النفوس مع أول سماعة ولأن أحب الأسماء عند الله "عبدالله" و"عبدالرحمن" كما في الحديث فإن لدلالة الاسم سبقا ورغبة عند العرب. العرب يسمون أبناءهم بما يتوافق مع بيئتهم وعاداتهم ومكارم أخلاقهم العرب الأقدمون يسمون أبناءهم بما يتوافق مع بيئتهم وعاداتهم ومكارم أخلاقهم..أو على أول ما تقع عليه أعينهم بعد البشارة الأسماء الفارسية ولعل من غرائب الأسماء والتي عرفها العرب حين مخالطتهم الأمم الأخرى "سيبويه" و"نفضويه" و"خالويه" و"مسكويه" وجلهم من النحاة الذين اعتنوا بعلوم وقواعد اللغة العربية، رغم أن مسمياتهم تحمل أداة النسب الفارسية "ويه"، بل إن يعضهم فارسي الأصل، ف"نفطويه" مثلاً كان بحراً من بحور العلم عاش في القرن الثالث، وله قصص ومآثر وكتب ومؤلفات جمة وحمل لقب "نفطويه" للون بشرته الداكنة، حيث عيّروه بلونه الأسمر الداكن، وشبهوه بلون النفط وكان النفط يخرج من باطن الأرض ويستخرجونه كوقود وسلاح حربي، ولذا قال الشاعر يهجو نفطويه: احرقه الله بنصف اسمه وصير الباقي نواحاً عليه كما كان "يموت ابن مزروع" وهو ابن أخت العلامة "عمرو بن بحر الجاحظ" لا يزور أو يعود مريضاً خشية التطيّر باسمه، أما "كلثوم العتابي" فقد سأله "اسحاق الموصلي" عن اسمه فرد عليه "كلثوم" وما اسمك قال "كل بصل"، وقد أراد "اسحاق" بذلك مداعبة "العتابي"، لا سيما حين أشار إليه الخليفة بذلك، وإلاّ فهو يعلم أن اسم "كلثوم" يعني الوجه المستدير الممتلئ لحماً، وهو من علامات الجمال عند العرب والشعوب الأخرى. مسن مع أطفاله بعد أن اختار لهم من الأسماء التي تعبّر عن بيئته «أرشيف الرياض» الأسماء التركية منتهية ب«جي» والفارسية ب«ويه» وألقاب العرب اختلطت مع الحضارات الأخرى كتب ومؤلفات يذكر أن أول من سُمي أحمد في الإسلام -بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم- هو أحمد الفراهيدي الذي ولد عام (100ه)، وهو والد الخليل بن أحمد إمام اللغة والعروض في عصره، وأول من تسمى ب"عبدالملك" و"عبدالعزيز" هما أبناء الخليفة الأموي مروان بن الحكم، والأول تولى الخلافة والثاني هو والد عمر بن عبدالعزيز، كما كان عبدالله بن الزبير أول أبناء المهاجرين في المدينة، ومن الطريف أن العلامة محمد بن حبيب المتوفى (245ه) ألف كتاباً سماه (من نسب إلى أمه من الشعراء)، وكان المؤلف ممن نسب إلى أمه حبيب وربما كان ذلك سبباً لإخراج هذا الكتاب، على أن كثيرا من قبائل العرب كانت ومازالت تحمل أسماء الأمهات كدليل على علو قدر ومكانة الأم عندهم، حتى في الجاهلية، بينما وضع "الفيروزبادي" كتاباً آخر سماه "تحفة الأبية فيمن نسب إلى غير أبيه"، بل إن منهم من اعتنى بأسماء الجن وتفصيلاتها ك"القطرب" و"الغول" و"السعلاة" و"الشق" وهو الذي يأتي بين شقين أنسي وجني، إلى أن جاء "أبو الحسن محمد بن حيويه النيسابوري"؛ فوضع كتاباً سماه (من وافقت كنيته كنية زوجه من الصحابة)، أما المؤرخ "أحمد اليعقوبي" المتوفى عام (292ه) فترك لنا كتابا غريباً سماه (مشاكلة الناس لزمانهم) عرض فيه مشابهة الناس وتقليدهم لأولياء أمورهم وسلاطينهم ولعله لو تقدم به الزمن لعرج على أسمائهم، فالجاهلي الذي يسمي ابنه أسد وكلب وحنظلة أصبح في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي عصر خلفائه الراشدين، يسمي عبدالله وعبدالرحمن وعبدالملك ومحمد وأحمد. أسماء المواليد حديثاً لا تخلو من الغرابة والتكرار و»المياعة» أحياناً اشتهروا بأسماء الزمان «شعبان، رمضان، ربيع،..» والأقاليم «البصري، النجدي، الكوفي» الأسماء التركية أصبح الناس ينتسبون إلى أقاليمهم في عصر بني العباس ودخلت الأسماء الفارسية ك"جلنار" و"شهرزاد" و"شاهيناز" وفي حين غلب الأتراك على الممالك والدول أصبحت أسماء مثل "حكمت، شوكت، رفعت، صفوت، عفت" أسماء متداولة في الأقاليم العربية، وكما أصبح النسب الفارسي ب"ويه" رائجاً في العصر العباسي أصبحنا نسمع في عصر بني عثمان "الدولة العثمانية" أسماء كثير من الناس منتهية بأداة النسب التركية "جي" والمنسوبة في الغالب إلى المهن والوظائف التي عملوا بها كقولهم "سفرجي" و"يازجي" و"خاشقجي" ولأن الأسماء تدل غالباً على المعنى فقد قالت العرب "لكل مسمى من اسمه نصيب" كما قالت "المعنى يؤخذ من المبنى ويدل عليه" ولذا يقولون في الحاضر من اسمك نعرف أباك، وكان بعض العرب يضع اسمه على باب منزله كما ذكر الدار قطني و-الدار قطني- مأخوذ من دار القطن وهو حي في بغداد في القرن الرابع الهجري، قال: أُثر عن صحابي أنه كتب اسمه على باب داره وهو عرف معمول به حتى زماننا هذا، كان الشاعر ربيعة بن عامر يلقب ب"مسكين" حتى غلب على اسمه ما دعاه إلى أن يقول بيته الشهير: أنا مسكينٌ لمن يعرفني ولوني السمرةُ ألوان العرب بل إن ألقاب وكُنى كثير من الأعلام والمشاهير غلبت على أسمائهم في مختلف العصور. يقولون في الحاضر «من اسمك نعرف أباك».. و«يموت ابن مزروع» تشاءم من حضوره الجميع! قواميس ومعاجم في زماننا هذا زاد تكلف البعض في اختيار الأسماء إلى أن لجأ الكثير منهم إلى القواميس ومعاجم اللغة بحثاً عن الاسم الغريب والجديد النادر، حيث يتسابقون إلى التميّز وعدم التقليد، أو مشابهة أسماء بعض الأقارب والمعارف، وعلى الرغم من أن هذا التوجه ساهم في عودة الآباء والأمهات إلى الأسماء العربية الفصيحة ذات الأصالة، إلاّ أن حرص البعض على الاختصار والانفراد بالغربة والتميّز حجب أنظارهم عن معنى الاسم، فالبعض يختار الاسم دون أيما اعتبار للمعنى ورغم أن هذا يحدث نادراً، إلاّ أن البعض أيضاً وجد -للأسف- في المعاجم الأجنبية معيناً خصباً من الأسماء التي يجهل الكثيرون معناها ومزيتها، ناهيك عن حرص البعض على الغرابة على حساب المعنى والأصالة، ولهذا فقد راجت في السنوات الأخيرة ثقافة كتب أسماء المواليد ومعانيها، لأسباب لعل منها تبصير الناس بمعاني أسماء أبنائهم وفلذات أكبادهم.