الحياة - سعودي تعيش السعودية اليوم ثورة بكل ما في المصطلح من معنى، بل وتشهد أكثر من انتفاضة على صُعد مختلفة. الكثير لا يشعرون أو لا يعترفون بتلك الثورة لسبب بسيط، وهو أن اتجاهها من الأعلى إلى الأسفل على عكس اتجاه الثورات السياسية في معظم أنحاء العالم التي تبرز من القاعدة ضد القمة ومن الشعب ضد السلطة. تحدثت مع صديقي الطبيب الدكتور زيد بن حارث عن هذه الظاهرة فذكر لي: «أن كريات الدم الحمراء ذات الأهمية القصوى في الجسم تتغير كلياً كل 120 يوماً، من دون أن يشعر الإنسان، نظام رباني يعمل بكفاءة وبطريقة ذاتية، ولكن إذا اختل النظام مرض الإنسان واضطر إلى إجراءات وأجهزة كثيرة للقيام بوظيفة تنقية وتغيير الدم في الجسم». هكذا هي الأنظمة السياسية الناضجة تعمل بنظام تشغيل ذاتي يكفل الاستجابة لمتطلبات الجسم المجتمعي لأجل النمو ومكافحة الفايروسات. وإذا تفكرنا في تعريف الثورة وجدنا أنها: «الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندلاع يحركه عدم الرضا، أو التطلع إلى الأفضل أو حتى الغضب». وانطلاقاً من التعريف نجادل أن ذلك ما يحصل في السعودية اليوم. فالقيادة السعودية مصممة على التغيير والخروج من الحال السائدة لأنها - أي القيادة - غير راضية عن الأداء ومتطلعة إلى الأفضل، ومن الممكن أنها وصلت إلى حد الغضب من تباطؤ التغيير وأهمية الإسراع إلى الأحسن، ولذا تعيش السعودية ثورة مكتملة العناصر في مجالات عدة، ولا نبالغ إذا ما قلنا إن في السعودية اليوم سبع ثورات وثلاث انتفاضات تسير جنباً إلى جنب. ثورة لإصلاح القضاء، ومثلها لتطوير التعليم، وثالثة لتوظيف المواطنين، ورابعة في الرعاية الصحية، وأخرى لتأمين السكن، وسادسة لتعميم النقل، أما الثورة السابعة، فهي ثورة في الإعلام لمزيد من الحريات وبالأخص حرية التعبير. هذه سبع ثورات كل منها تكفي أن تكون مادة وقضية منفصلة لمطالبات شعبية. لكن هذا لم يحدث بسبب استباق القيادة السعودية المطالب الشعبية بتأكيد أهمية تلك القضايا كعناصر حاكمة لتطوير وتحديث المجتمع السعودي والدخول به إلى مصاف الدول المتقدمة وبناء على ذلك تحملت القيادة مسؤوليتها الدينية والأخلاقية والسياسية والإدارية لإجراء التغييرات. من ناحية أخرى، إذا كان تعريف الانتفاضة أنها: «حركة رسمية وشعبية واسعة ومعلنة لمقاومة ممارسة أو ظلم ما»، فإن الدولة قامت وبكل جرأة بثلاث انتفاضات، هي انتفاضة ضد الفساد، وأخرى ضد الإرهاب، وثالثة ضد تهميش المرأة في التعليم والعمل، وأدخلتها أهم مؤسسات الدولة وأعطت المرأة التمكين والحق في الانتخابات المقبلة. ليس من المفروض أن يهبّ الشعب ويحتشد في الساحات شيباً وشباباً، رجالاً ونساء، أطفالاً ومسنين ويهتف بمطالبه لإصلاح شؤونه الحياتية، كي يستجيب الحاكم لحاجاتهم أو تتصعد المطالبة بتغيير الحاكم أو النظام، فسبق أن شاهدنا مظاهرات وحشود وميادين وساحات تكتظ وتشتعل مدعومة بكاميرات ومصورين ووكالات أنباء ينقلون مطالب شعبية وشعارات، ثم ماذا؟ تتغير الوجوه والأسماء، لكن الحاجات الحقيقية لم تنفذ ويبقى الحال من سيء إلى أسوأ. ربما يجادل شخص ما أن كثيراً من تلك الحاجات التي أسميناها نحن ثورات في السعودية، لم يلمس أثر بعضها المواطن أو لم تكتمل بعد، ونقول هذا صحيح، ونضيف أنها حتى عند اكتمالها ستتم المطالبة بالمزيد لأن التطور سنّة الحياة. وربّ مجادل آخر يقول: إنه ما زالت هناك مطالب لإصلاحات أخرى عدة، ونقول بالتأكيد: نعم، ومن الضروري أن تستمر المطالبة بالإصلاحات للوصول إلى ما نهدف إليه من كمال. أخيراً، تتمتع القيادة السعودية بقنوات استشعار أو لنقل مجسات بالغة الحساسية توفر رصداً متكاملاً لحاجات المجتمع، ومن خصائص تلك المجسات أنها لا تستجيب للأصوات العالية أو الصراخ أو الضوضاء، بل للأصوات ذات الرنين الهادئ والذبذبة المنخفضة. ولذا نجد أن الدولة لطالما سبقت المجتمع بخطوات عدة إلى الأمام. في الختام، ستثمر الثورة والانتفاضة السعودية، كما ستستمر المطالبات بالإصلاحات، لكن المهم أن نبقي على قوة الدولة لأن في ذلك قوة للوطن والمواطن.