العرب اللندنية "يحظى السيسي بكل الثقة في مواجهة الاستبداد الديني، المطلوب منه أن يبرهن لناخبيه عزمه وقدرته على مواجهة الاستبداد الزمني" الانتصار الكاسح للمشير عبدالفتاح السيسي في انتخابات الرئاسة المصرية ليس مزيّفا، لكنه – في نفس الوقت- ليس حقيقيا. أن يربح مرشح رئاسي بهذه النسبة (96 بالمئة)- في أي مكان في العالم- إشارة غير طبيعية، إما أن الانتخابات تعرضت للتزوير، أو أن جموع الناخبين توجه رسالة خارج الصندوق من خلاله. ولأن الانتخابات المصرية مشهود لها بالنزاهة وفق شهادة المراقبين، فلنتأمل جيّدا رسالة الناخبين. كانت ثورة 25 يناير انتفاضة على الدولة الأمنية الأحادية الفاسدة التي أرستها ثورة يوليو 1952، وقامت ثورة 30 يونيو 2013 رفضا للدولة الأحادية الفاشية الفاشلة التي أرادت جماعة الإخوان بناءها نقيضا للوطنية المصرية. الخطأ الأكبر الذي ارتكبه الناخب المصري عام 2012- بعد أن قدم للإسلامويين أغلبية مقاعد السلطة التشريعية- منح صوته للمرشح الإخواني محمد مرسي بدلا من رئيس الوزراء الأخير في عهد مبارك (أحمد شفيق). غالبا، بعد سقوط الأنظمة نتيجة ثورات أو حروب، تلجأ "الدولة العميقة" إلى اختيار وجوه صالحة من النظام البائد ترسي في مرحلة انتقالية دعائم نظام جديد يترجم شعارات التحول. الهدف، تسليم الدولة لكفاءات خبرت مفاتيحها ومنطقها، بدلا من المغامرة بوجوه جديدة قد تكون عديمة الحكمة، إن لم تكن فقيرة الخبرة. وعليه فإن ابتعاد وجوه الحزب الوطني عن برلمان 2012، أرضى غرور الثورة وكان لازما انتخاب أحمد شفيق لإرضاء غرور الدولة، فتسير السفينة باتزان وسلام. إذن، تلك هي رسالة الناخب المصري، المرحلة الانتقالية/ التأسيسية التي لم ينجح فيها النظام الإخواني أو لم يدركها، لقد صوّت 96 بالمئة من المصريين لامتداد صالح من نظام ثورة يوليو (الجيش) ليرسي دعائم نظام جديد يناقض ديكتاتورية يونيو وفاشية الإخوان. وأولى أسباب نجاح السيسي في مهمته المقبلة، الإدراك الكامل لمعنى رسالة الناخبين، هو رئيس انتقالي خادم للشعب- لا معبوده- مهمته تحقيق أهداف ثورة 25 يناير في إرساء نظام تعددي ديمقراطي خارج الإسلام السياسي وخارج الوصاية العسكرية، معالجة الجروح التي أحدثتها المرحلة الإخوانية داخليا وخارجيا، كل ذلك بالتوازي مع مداواة النظام الاقتصادي المصري على أساس الإنتاج لا الريع، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية لتقوم بمهمتها الوحيدة (تقديم خدمة الأمن للمواطنين) بدل دورها قبل ثورة يناير (تقديم خدمة الأمن للنظام، واستباحة المواطنين وحرياتهم). كان مؤسفا في أغلب الخطاب الإعلامي المصري، إظهار السيسي كصاحب الفضل على شعبه، وهذا غير صحيح، لولا الملايين الحاشدة التي أسقطت نظام يوليو، ثم رفضت استمرار النظام الإخواني، لما كان السيسي اليوم في موقع القيادة. لقد قامت ثورتا 25 يناير ثم 30 يونيو على منهجين لا على شخصين، والتفكير في تكرار أي من المنهجين أو استبدالهما بشخص، غير مطلوب وغير منطقي وغير مأمون العواقب. لن يستطيع أي رئيس في مصر، حتى لو نال إجماع كل الناخبين، أن يعيد عقارب الساعة إلى 29 يونيو 2013 فضلا عن إعادتها إلى 24 يناير 2011. من يفكر في إحياء الاستبداد الزمني أو إحياء الاستبداد الديني، سيلقى مصير رئيس لم يستوعب زمنه هو حسني مبارك، أو مصير رئيس لم يدرك موقعه هو محمد مرسي. يحظى السيسي بكل الثقة في مواجهة الاستبداد الديني، المطلوب منه أن يبرهن لناخبيه عزمه وقدرته على مواجهة الاستبداد الزمني، عبر التأكيد على التضاد بين الديمقراطية والفوضى، ثم عدم التضاد بين الأمن وبين الحرية وحقوق الإنسان. عنوان فشل السيسي، أن يأتي من يقارنه غدا بمبارك أو بمرسي. عنوان نجاحه هو أن يقارن بمن بعده. ولعلها فرصة للتأكيد على الرمزية السلبية في التوقف النهائي لبرنامج الإعلامي باسم يوسف. من العار أن تتنكر ثورة 30 يونيو لأحد أبطالها، ومن المخزي أن لا يتحمل السيسي ما تحمله سلفه الإخواني. إن النظام الذي يخشى الكلمة أو السخرية وهم مصيره الزوال، ولا نظن بسلطة مصر الجديدة إلا الخير. عقب فوز السيسي بالرئاسة، وصلته رسالة من العاهل السعودي، ثم لحقتها رسالة أخرى من الرئيس المؤقت عدلي منصور في خطاب وداعه. المهم في هذه الرسائل أنها بدت موجّهة لرئيس مثقل بمهمة محددة لن يحكم مدى الحياة. كانت خلاصة رسالة الملك عبدالله، هي التحذير من عودة المنهج الإخواني في الحكم، وكانت خلاصة رسالة عدلي منصور لخلفه، هي التحذير من عودة نظام يوليو بنسخة مبارك أو بنسخة غيره. لقد أراد الزعيمان الكبيران أن يقولا للرئيس الجديد إن مصر لم تنتخب الشخص، بل انتخبت الحلم، والعاجز عن الحلم مع شعبه- أو تحقيق حلمه- سيرى منه الكوابيس. الملفت- كذلك- في رسالة العاهل السعودي، الحنين الخفيّ الباحث عن محور الاعتدال العربي الذي خسر عمود الخيمة بسقوط الرئيس مبارك، مما أحدث فراغا في المنطقة مكّن إيران وتركيا وإسرائيل من خلخلة التوازن على حساب العرب. وكأن الدعوة إلى مؤتمر المانحين لمصر، هو إحياء لمحور رباعي الأضلاع (السعودية، الإمارات، الأردن، مصر) يستطيع دفع عملية السلام من جهة، ويعيد الغرباء إلى حدودهم من جهة أخرى. هل وصلت الرسالة لحاكم مصر الجديد؟ أنت رئيس انتقالي مهمته إحياء الاقتصاد وضبط الأمن وتأسيس نظام ديمقراطي على أساس المواطنة وحقوق الإنسان، يناقض وينقض الدولة الأمنية والاستبداد الديني والثقافة الريعية والوصاية العسكرية، واستعادة سياسة خارجية وجهها العروبة- لا القومية العربية- وأساسها المصلحة المصرية في مواجهة توسعية طهران، ومغامرات الدوحة، وحلم الخلافة في إسطنبول، ورأس الأفعى في تل أبيب. نجاحك في هذه المهام هو معنى نجاح ثورتين، وهو حقيقة إرساء نظام جديد قابل للحياة وللتطور، أما مجرد انتخابك كشخص فليس يعني أي شيء. التأييد الشعبي ليس تفويضا مطلقا أو دائما، ومن رفع اليوم يستطيع الخسف غدا. صحافي سعودي