مكة أون لاين - السعودية انحشر بيني وبين صاحبي، وهو يلّوح بكوبون رقم مقعده، امتلأ الكرسي بلحمه وبما تناثر من شحمه، إيّايَ استعان بربط الحزام، وما إن استوت الطائرة على جوديّ السحب حتى وكزني بمرفقه على خاصرتي، بينما وجهه قد شخص تلقاء الشاشة الصغيرة التي ظلت مقفلة حتى انتهاء الرحلة، لمّا أن وكزني بادرني قائلاً: (تراني راعي نوم ع الطيارة.. الله يعينك أنت وصاحبك على شخيري) واستدرك: (إذ جاءت الوجبة.. أبقها لديك ولو اجتمعت أكثر من واحدة يمكنك أن تحفظها حتى أفيق مرة واحدة فألتهمها قبل أن نهبط.. هذه هي عادتي) بين ساعةٍ وأختها كانت تحين منه إفاقة فيسألني حينها: (كم بقي ونوصل؟) أجيبه ثم لا يلبث أن يعود سيرته الأولى في نوبة من شخيرٍ سيمفونيٍّ توقن معه بأنك بجانب رجلٍ طيب القلب!. المدهش أنه لم يبرح مكانه، وكأنه ليس بحاجةٍ إلى أن يفرّغ شيئا مما في مثانته.. ولا لأن يطلق ما انثنى من ركبتيه أثناء رحلةٍ امتدت ثماني ساعات وربما تزيد. تأكدتُ بأنّ الزمن المتبقي على الوصول بات يقارب الساعة إلا ربع، أفاق على صوت الصفق على فخذيه من قبلي، ثمّ حدّجني بعينٍ شبه منطفئة، وتمتم بشيءٍ يشبه التثاؤب: (بشّر.. قرّبنا نوصل).. (بقي أربعين دقيقة.. يمكنك فيها أن تأكل الوجبتين.. وتجيب على شيءٍ من أسئلتي) قلت له ذلك. لم يصدّق خبراً، أومأ للحزام بسبابته، استعنت بصديقي ابتغاء أن نفكّ عنه وثاق كرشه.. تنفّس.. تناول الوجبتين باستمتاع المستلذ.. طلب شايا.. استدار إليّ وهجم عليّ بقوله: (وشي أسئلتك.. أكيد من بقايا لقافة أهل بريدة أعرفكم زين.. لكن اسأل) وجاء حوارنا على هذا النحو: -هذه أول سفرةٍ لك إلى طنجة؟ *لا.. ربما هي الخامسة.. -هي الأولى -لطنجة بالذات- ذلك أنّ ثمّة مؤتمراً بتطوان. *ما أدري عنكم -يالمطاوعة- لِم كل مؤتمراتكم هنا بينما لا أعرف لكم مؤتمرات في بقايا أفريقيا السوداء؟! -ضحكتُ.. متسائلاً: وأنت.. أهو مؤتمر من نوعٍ آخر؟ *أتيت لأصطحب زوجتي إذ هي الآن في زيارةٍ لأهلها. -إذن خوال أبنائك من هنا؟ *إيهٍ.. قالها مع إيماءةٍ برأسه. -هل هي زوجة ثانية؟ *لا.. إنما هي الأولى وأم أولادي. -وهل ضاقت عليك السعودية بما رحبت.. حتى لم تجد فيها «بنت حلال» مع أنّ البيوت تشكو تكدّساً من البنات؟. *ليس الأمر كذلك -يا صاحبي- ولعلك تعرف أنّ المهور.. وبقايا عاداتٍ -قبلية- تجعل الزواج من غير سعودية هو الخيار الذي ليس منه بد! وقبل أن أتعقّبه أضاف: لا تنس أنّك تفاجأ إذا ما تزوجت سعودية بأنّها لا تشبه كثيرا تلك التي رأيتها حين «الرؤية الشرعية المجتزأة»! لم يقف مكتفيا بما قاله.. بل كسّر شيئا من مجاديف حوارنا أثناء إعلان الهبوط بمطار محمد الخامس إذ ختم قائلا: أتمنى ألا تزعل عليّ السعوديات فإنّ غيرهن أجمل وأرخص كلفة وأقل تعقيدا في حسابات الزواج وتبعاته... قلتُ في نفسي همساً: لعل هذا من أبرز أسباب العنوسة!