الحياة - سعودي عرفت منظمة الصحة العالمية الصحة بأنها: «حال من العافية الكاملة البدنية والنفسية والعقلية والاجتماعية، وليست حال انتفاء المرض أو العجز». المتأمل في هذا التعريف يقف على أن معاناة المريض تتجاوز المعاناة الجسدية لتشمل المعاناة النفسية والروحية والاجتماعية، وأن هناك ارتباطاً وثيقاً بين التعب الجسدي والنفسي، وكلما قويت النفس كان الجسد قادراً على تجاوز الصعاب، وتخطي الألم، ولا تقوى النفس بمثل العقيدة الراسخة في النفس لا الثقافة العابرة، العقيدة التي تجعل صاحبها مؤمناً بقضاء الله وقدره، يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن أمر المؤمن كله خيره في صحته أو مرضه، وفي غناه أو فقره. كما يتيقن أن الله أرحم عليه من أمه به، ولن يغلب عسر يسرين، وله في أيوب عليه السلام، خير قدوة «وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ»، كل هذا وغيره الكثير يجعل المريض يتقوى وقت ضعفه ومرضه بعقيدته، ويؤكد أهمية الدعم والإرشاد الديني الروحي في منظومة العلاج الشمولي لمعاناة المريض. كنت أبحث عن المسؤول عن مثل هذا الدور الريادي في وزارة الصحة، فوقفت على التوعية الدينية في المستشفيات التي تقوم بدور بارز في الإرشاد الديني للمريض بتعليمه الأحكام الشرعية المتعلقة به، وفي الدعم الديني والروحي من جانب الصبر والإيمان بالقضاء والقدر وتعلقه بربه وتسليته ونحوه، وتوفير وتأمين حاجاته الشرعية من صندوق التيمم واتجاه القبلة والكتب ونحوها. وكانت سبباً بعد الله في إسلام كثير من الجاليات غير المسلمة من العاملين بالمستشفيات، وشجعت هذه الإدارة الدراسات البينية، وعقدت ندوات طبية فقهية حول مسائل شرعية تهم المريض، وأقامت مؤتمرات عن الدعم الديني والروحي للمريض، وندوات فقهية طبية تجمع بين الفقهاء والأطباء عن أحكام الجراحات التجميلية بالرياض، وطب الإنجاب بالأحساء، وتطبيق القواعد الفقهية على المسائل الطبية بالرياض، وندوات عن أخلاقيات الممارسين الصحيين والتعامل مع المرضى. كما فعّلت هذه الإدارة برنامج الرد الآلي، وهي خدمة ذاتية بالهاتف الثابت صوتية للمرضى لمعرفة الفتاوى الشرعية المتعلقة بالمرض في فتاوى اللجنة الدائمة وهيئة كبار العلماء، وأسهمت هذه الإدارة في التوصية باللجنة الاستشارية الشرعية الطبية بدار الإفتاء، وعقدت برامج الإرشاد الديني لمدمني المخدرات في مجمعات الأمل، ما وجّه أنظار الباحثين في التخصصات الشرعية لعقد دراسات متخصصة حول أهمية الإرشاد الديني لعلاج المريض. وجاء مؤتمر الدعم الديني للمريض ليشيد بالتجربة السعودية في التوعية الدينية في المستشفيات في ثنايا أوراق العمل التي قدمت فيه، وعرض الدكتور هاولد كونتنغ «الدعم الديني الصحي: التجربة الأميركية»، وقدّم الدكتور يونس دادولا ورقة عمل عن «التجربة البريطانية في تأسيس إدارة الرعاية الدينية والروحية للمسلمين»، وعرضت الدكتورة رابعة هاريس «تجربة هارتفورد في تدريس الدعم الديني»، وغير ذلك من الأوراق المهمة التي تؤكد أهمية الدعم الديني، وخرج المؤتمر بتوصيات لوزارة الصحة تؤكد أهمية دعم هذه الإدارة وتطويرها لتؤدي الدور المأمول منها بفاعلية واحترافية، وتوصيات لوزارة التعليم العالي لتبني برامج دراسية لتأهيل مرشدين دينيين في المستشفيات. ومازال بحث الدكتور عادل باشطح وتوصياته «برنامج ماجستير مقترح في الإرشاد الديني الصحي للمسلمين» حبيس الأدراج، آمل من وزارة الصحة أن تتبنى كثيراً من نتائج المؤتمرات التي عقدتها. * داعية، وأكاديمية سعودية.