السفير اللبنانية 1 ... المفاجآت لم تنته. والطرف الأقوى في مصر لم يكمل الحسم كما تخيّل. سيفوز السيسي غالباً لكنه ليس بالصورة التي رسمتها أجهزة بروباجندا عنيفة رأت فيه الشخص المناسب لترميم الدولة التي تركها مبارك شبه ميتة. الأجهزة صدّقت ذاتها حتى أن السيسي تعامل مع الانتخابات على أنها "استعراض" سيصل في نهايته إلى قصر الرئاسة مراهناً على مشاركة 40 مليون مصري في الانتخابات. وهنا الصدمة.. عندما لم يجد البطل شعباً يزحف إلى الصناديق ليصعد به إلى القصر، وتحوّلت احتفالات الفرح إلى ندب ولطم ونداء على الشعب الذي لم يفهم أحد لماذا وأين اختفى؟ لم يكن الاختفاء غالباً بسبب نجاح خطاب سياسي.. بل استجابة لمزاج "إلغاء السياسة" أو تعبيراً عن العودة إلى "الصمت" ما دام الكلام في الصناديق لا قيمة له. الصدمة تعني إعادة حسابات السلطة إلى الحجم الطبيعي... 2 المشهد من هستيريا إلى هستيريا ومن ثقة في أن السيسي لا يحتاج إلى انتخابات تستدعي أدوات الدولة كلها (قرار حكومي بالإجازة للعاملين ثم تمديد الانتخابات ليوم ثالث + تهديد بعقوبات الممتنع من النيابة إلى الغرامة المالية + استدعاء القادة المحليين لشبكاتهم القديمة في حشد الأوتوبيسات)... وهو انتقال صادم لأجهزة تحلّقت حول السيسي لتشغل فراغاً أكبر منها، وتثبت أن لا حملة (أي بروفة جهاز سياسي) كما أن الإعلام هو كل ما لدى الجنرال الذي كان يريدها تفويضاً لا انتخابات، متخيلاً أنه ينادي للشعب عبر الشاشات (وهذا يشير إلى أنه يفتقد شبكات سياسية واجتماعية هي أساس الحكم).. الصدمة هنا في احتياج الدولة أدواتها القديمة في الدفاع عن مرشحها، وهذا يعني تحوّل الجهاز البيروقراطي إلى جهاز سياسي في خدمة مرشح واحد.. وفي هذا تحطيم لأسطورة البطل الشعبي، وخلق توازن "لا يخلو من هشاشة" باتجاه أن يلعب السيسي دور "منقذ أجهزة الدولة من ركاكتها.." وفي حدود احترافية لا أوسع من ذلك، توازن يعيده إلى حجم "الرئيس". 3 من جديد.. تبدو عناصر "عدم الحسم" هي الحاسمة في فراغ لا يمكن لأحد أن يتصوّر أنه ملك عليه... الفراغ يبتلع حتى الأبطال... كما تقول انتخابات ستدفع بالسيسي إلى الرئاسة لكنه من دون تلك الشعبية التي تجعله فوق الدولة.. وهذا ما يريده حلفاء وخصوم... ليس خافياً أن هناك قوى من الحلف السياسي والاجتماعي المساند للسيسي يريدونه من دون أسطورته، وفي احتياج إلى توصيل رسالة مفادها: ".. لقد وصلت بأدواتنا".. أما الخصوم فيريدون تقليل الشعبية التي يمكن أن يعتمد عليها السيسي في ملء الفراغ السياسي بأجهزة بيروقراطية ينبت لها جسم سياسي... وما يستلزم ذلك من قمع وتضييق على الحياة السياسية...