الحياة - سعودي مر شهر على تكليف خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - وزير العمل عادل فقيه بمهام وزارة الصحة وملف تفشي كورونا، وهو القرار الملكي الذي أعاد الثقة العالمية في جهود السعودية لمجابهة الفايروس بعد أن بددتها وزارة الصحة خلال العامين الماضيين. ومع ذلك فإن أداء وزارة الصحة بعد شهر من التكليف لم يرتق إلى مستوى تصحيح مسار مجابهة تفشي الفايروس الذي وعد به الأمر الملكي، ولم يرتق إلى مستوى التطلعات المحلية والعالمية. لا يمكن إنكار الحراك الإداري الحالي من وزير الصحة المكلف لحلحلة ملف تفشي «كورونا» الراكد من عامين، بلا إجابات جوهرية، ولكن لا يمكن أيضاً الحكم على هذا الحراك إيجاباً أو سلباً؛ لأن الوزير المكلف لم يقدم حتى الآن تقريره التقويمي لأداء الوزارة في مجابهة بؤر وتفشيات هذا الفايروس. لا يعد تغيير القيادات الصحية خلال التفشيات والأوبئة أمراً نادراً أو مستغرباً، بل لعله تأخر في ملف تفشي «كورونا»، ولكن المستغرب هو عدم تقديم القيادة الصحية الحالية ممثلة بوزير الصحة المكلف تقرير تقويمها للقيادة الصحية السابقة لملف التفشي، وهو ما يعد إجراءً روتينياً، لتشخيص الوضع الراهن لإدارة التفشي ومن ثم إصدار خطة تفصيلية للخطوات الآنية والمستقبلية. هذا التقرير التقويمي الغائب هو المستند المرجعي لقياس مدى كفاءة وفاعلية قرارات إدارة التفشي الجديدة، ولذلك فإن التقرير عادة ما يكون الإصدار الأول لأي قيادة صحية شفافة وجادة في تصحيح مسار مكافحة التفشي. لتقرير تقويم إدارة التفشي أجزاء رئيسة تحوي أسئلة يتم الإجابة عنها بمؤشرات تُرصد في شكل كمي ونوعي، وغالباً ما تكون هذه الأسئلة وإجاباتها مصدراً للبيانات الإعلامية الأولية التي تصدرها قيادة التفشي الجديدة. لا يعد تقرير إدارة التفشي الذي تصدره القيادة الصحية الجديدة للتفشيات والأوبئة كاملاً من دون خمسة محاور رئيسة وهي: فاعلية هيكلة إدارة التفشي السابقة، واستجابة الخدمات الإكلينية للتفشي، ومواطن القوة والتحديات لنظام ترصد الأوبئة والتفشيات الوطني والمؤسسي (إن وجد)، وإجراءات الصحة العامة كمتابعة الحالات والمخالطين والمجتمعات المحددة كالمدارس وحظائر الحيوانات والمجتمع في شكل عام، وأخيراً الاتصال والإعلام الصحي أثناء التفشي. وعليه، فإنه التقرير المنتظر منذ شهر كان من المفترض أن يحمل إجابات للأسئلة الآتية: هل كانت وكالة الصحة العامة بإدارة وكيلها فعالة في إدارة تفشي فايروس كورونا خلال العامين الماضيين ولاسيما في الرياضوجدة؟ هل كانت استجابة وزارة الصحة آنية لبؤرة مستشفى الملك فهد قبل أن تصبح تفشياً في مدينة جدة؟ هل للمستشفيات والعيادات القدرة على منع البؤر والاستجابة لها حال وقوعها حتى لا تتحول إلى تفشيات، وإن كانت المؤشرات لذلك ضعيفة فما الأسباب لذلك ولماذا لم تعززها وزارة الصحة؟ ما آلية رصد الحالات وجمع بياناتها وعيناتها؟ ولماذا لم تكن فعالة في رصد الحالات والبؤر قبل تحولها إلى تفشيات؟ لماذا لم يتم تحديث وصف الحالات المؤكدة والمشتبه بها «محلياً» بناء على تحليل بيانات الرصد؟ وما الدور الذي لعبه هذا التراخي في إصابات الممارسين الصحيين ووفاة العديد منهم؟ لماذا لم تقم وزارة الصحة خلال عامين كاملين بأي دراسة حالة مقارنة، مع وجود بؤر عدة ومئات الحالات، لدعم أو نقض الدليل الجزيئي على أن الإبل أحد النواقل والحواضن لفايروس كورونا؟ لماذا تأخرت الإجراءات التوعوية المجتمعية العالقة في مرحلة غسل اليدين ولم تتجاوزها لتوعية المدارس والرعاة والمعتمرين بإجراءات الرصد والتعامل مع الحالات المشتبه بها؟ لماذا تأخرت وزارة الصحة عاماً كاملاً عن إدخال وزارة الزراعة شريكاً حيوياً وحساساً في عمليات الاستقصاء؟ وأين بقية الشركاء مثل وزارتي التربية والتعليم والحج وممثلي تجار الإبل والجمعيات العلمية المختلفة وغيرهم؟ هل كان أداء وزارة الصحة الاتصالي والإعلامي فعالاً مع الممارسين الصحيين والمرضى والمخالطين والمجتمع؟ هل كانت بلاغات وزارة الصحة عن الحالات والبؤر والتفشيات لفايروس كورونا آنية وفعالة على المستوى المؤسسي والمناطقي والوطني؟ هل كانت الأدوار الاتصالية والإعلامية واضحة ومحددة؟ وإن كانت كذلك فماذا الذي يفسر تضارب التصريحات والبيانات بين وزير الصحة السابق ووكيله للصحة العامة والمتحدث الإعلامي للوزارة ومدير صحة جدة في مناسبات عدة خلال العامين الماضيين؟ ما الذي يفسر ما حصل يوم إقرار وزير الصحة المكلف للجنة الطبية من نشر وكيل الصحة العامة لمحضر اجتماع مركز طب الحشود التابع لوزارة الصحة المتعاون مع منظمة الصحة العالمية بتوصية عدم الاقتراب من الإبل وعدم ذبحها كأضحيات لموسم الحج القادم من دون تقنين بمرضها أو نتائج المسح الصحي للحظائر؟ قام وزير الصحة المكلف بإصدار قرارات إدارية مختلفة وتحسين الإعلانات على عداد الحالات والوفيات ورسوماتها البيانية بموقع وزارة الصحة، ولكن ما لم يقم به حتى الآن هو إصدار تقريره التقويمي حتى يعلم المواطن والمجتمع الدولي إن كان لهذه القرارات فاعلية ومن ثم يثق بأنها ستسهم بالسيطرة على التفشيات التي ما زالت نشطة بدليل الأعداد المتزايدة ولاسيما بين الممارسين الصحيين من الممرضات وبدليل الحالات المصدرة لدول العالم. قررت لجنة الطوارئ المعنية باللوائح الصحية الدولية بشأن فايروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية أن وضع تفشيات «كورونا» الحالي لا يستدعي إعلان حالة الطوارئ العالمية، ولكنها ستجتمع قريباً؛ لتقويم الوضع والخروج بتوصيات أخرى. وحتى ذلك الحين، لعل وزير الصحة المكلف ينشر تقريره التقويمي قبل الاجتماع المقبل؛ لتشخيص الثغور ومواطن الضعف والتحديات، ومن ثم اتخاذ القرارات وتوزيع المهام في شكل مستنير على الشركاء محلياً ودولياً لمجابهة الوباء العالمي المحتمل. * أكاديمية سعودية.